دلائل يسوع المسيح هوالرب
مـنـتـديـات الـمســيح هــو الله :: † المنتديات الحياة المسيحية † :: منتدى الاسئلة الاهوتية و العقائدية المسيحية
صفحة 1 من اصل 1
دلائل يسوع المسيح هوالرب
- موضوع الصلاة والعبادة:
نقرأ
بوضوح في الإنجيل عن مناسبات عديدة سجد فيها البشر للمسيح
وعبدوه. فالبشير متى يذكر لنا أنه لما أرشد اللّه المجوس
(حكماء المشرق) إلى مكان ولادة مخلّص البشر في بيت لحم بفلسطين،
فإنهم «خَرُّوا وَسَجَدُوا لَهُ» بمجرد رؤيتهم للطفل يسوع (2: 11). وعندما مشى المسيح على الماء فإن الذين كانوا في السفينة سجدوا له قائلين: «بِٱلْحَقِيقَةِ أَنْتَ ٱبْنُ ٱللّٰهِ» (14: 33)، سجدت له أيضاً المرأة الكنعانية قائلة: «يَا سَيِّدُ أَعِنِّي» (15: 25)، وكذلك تلاميذه عندما ظهر لهم في الجليل بعد قيامته «وَلَمَّا رَأَوْهُ سَجَدُوا لَهُ» (28: 17).
ويذكر البشير لوقا في 24: 51 و 52 عن صعود المسيح إلى السماء «ٱنْفَرَدَ عَنْهُمْ وَأُصْعِدَ إِلَى ٱلسَّمَاءِ. فَسَجَدُوا لَهُ».
أمّا
يوحنا فيخبرنا عن سجود الأعمى للمسيح بعد أن أعاد إليه
بصره وأمره بالاغتسال في بركة سلوام (9: 38)، وأيضاً عن تلميذه
توما عند رؤيته لسيده بعد قيامته من الموت إذ سجد له قائلاً: «رَبِّي وَإِلٰهِي»
(20: 28). وهو هنا لم يكتف بالسجود له، بل أشار إليه
كإِلهه وربّه الذي يتعبَّد له. وجدير بالذكر أن المسيح لم يوبّخه
على ما تكلّم به، بل تجدر الإِشارة هنا إلى أن هؤلاء الناس من
ملوك إلى تلامذة وأناس عاديين ومن كانوا بحاجة إلى شفاء من
مرض أو علة جسدية، جميعهم قد تساووا في السجود له معترفين
بألوهيته. ففي كافة الظروف والمناسبات لم يعترض يسوع المسيح
بتاتاً على سجود البشر له وعبادتهم إياه، بل تقبّل تلك المواقف
البشرية كأمور ضرورية ولائقة به.
أعطى
يسوع شهادات مهمة جداً تتعلق بألوهيته وباستحقاقه
للعبادة، وإذ أراد من المؤمنين به أن يضعوا ثقتهم به ويتّكلوا
عليه اتكالاً كاملاً في كل أمور حياتهم جَاءهم بهذا التأكيد
قائلاً: «حَيْثُمَا ٱجْتَمَعَ ٱثْنَانِ أَوْ ثَلاثَةٌ بِٱسْمِي فَهُنَاكَ أَكُونُ فِي وَسَطِهِمْ» (متى 18: 20)، وكذلك قبل صعوده إلى السماء قال لهم: «هَا أَنَا مَعَكُمْ كُلَّ ٱلأَيَّامِ إِلَى ٱنْقِضَاءِ ٱلدَّهْرِ» (متى 28: 20).
إن
تصريحات كهذه لا يمكن أَخْذها إلاّ من منطلق رغبة المسيح
في الكشف عن ألوهيته، فمَنْ غير اللّه يستطيع أن يكون في كل
مكان؟ من هنا كانت محتويات أسفار العهد الجديد ومواقف الكنيسة
المسيحية الرسولية الأولى التي اتفقت في إصرارها على تقديم
الإكرام والعبادة المختصين باللّه وحده، ليسوع المسيح: «لِكَيْ
يُكْرِمَ ٱلْجَمِيعُ ٱلابْنَ كَمَا يُكْرِمُونَ ٱلآبَ.
مَنْ لا يُكْرِمُ ٱلابْنَ لا يُكْرِمُ ٱلآبَ ٱلَّذِي أَرْسَلَهُ»
(يوحنا 5: 23). وقد عبّر المؤمنون عن ذلك ليس أثناء ظروف حياتهم
العادية فحسب، بل حتى تحت أشد ويلات الاضطهاد، كما دعا
القديس إستفانوس في صلاته، عندما استشهد لأجل مناداته بالإنجيل،
للمسيح: «أَيُّهَا ٱلرَّبُّ يَسُوعُ ٱقْبَلْ رُوحِي» (أعمال الرسل 7: 59).
إن
السجود والتعبد للمسيح هما من ركائز المناداة بالإنجيل،
ومن المتطلبات الرئيسية للذين ينتمون للمسيح وينالون خلاصه. من
هنا طرح المسيح في الإنجيل أهمّ الأسئلة إطلاقاً: «ماذا ينبغي أن أفعل لكي أخلص؟»
وقد وردت عليه ردود كثيرة جميعها تفيد بضرورة الإيمان
بالمسيح والتعبُّد له. وفيما يلي نسرد بعضاً منها:
أن هناك التصريحات الرسولية التي يصعب عدّها والتي سجلها
الوحي الإلهي، وكلّها تؤكد على ربوبية المسيح واستحقاقه أن
يُعبَد. نورد منها على سبيل المثال ما يلي:
بطريقة عفوية على أساس كونهما متساويين في إشارتهما لألوهية
المسيح. فإن الرب يسوع المسيح ابن اللّه هو الذي يهب النعمة
والسلام. ومع ذلك فإن بولس لم يدع مجالاً للشك في أنه كان متمسكاً
بوحدانية اللّه، فهو يقول: «لَيْسَ إِلٰهٌ آخَرُ إِلا وَاحِد»،
(1 كورنثوس 8: 4-6). وهذا هو الإله الوحيد الذي قدّم بركته
للمؤمنين بواسطة ما يُعرَف بالبركة الرسولية التي تقول: «نِعْمَةُ
رَبِّنَا يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ، وَمَحَبَّةُ ٱللّٰهِ،
وَشَرِكَةُ ٱلرُّوحِ ٱلْقُدُسِ مَعَ جَمِيعِكُمْ. آمِينَ»
(2 كورنثوس 13: 14). وما هذه سوى صلاة موجهة إلى المسيح لأجل
نعمته، وإلى الآب لأجل محبته، وإلى الروح القدس لأجل شركته
المقدسة.
هذه
الحقائق التي يضعها الوحي الإلهي بين أيدينا لا يوجد تفسير
مفهوم لها سوى ذلك الذي تمسكت به الكنيسة المسيحية عبر
العصور، أي أن اللّه هو في ثلاثة أقانيم، هم جميعاً واحد في
الجوهر، ومتساوون في القدرة والمجد.
لكننا
إذا قارنا تلك التعبيرات الإنجيلية التي تنسب الصلاة
والعبادة للمسيح، مع الأخرى التي تُبرِز وحدة اللّه وجلاله،
والمجد الذي ينفرد به دون سواه، لا يكون أمامنا مفر من التسليم
بأن الوحي الإلهي إنما يكشف عن أن العبادة هي لإله واحد، وأن
المسيح هو في نفس الوقت مَن يعبده المؤمنون. فكلمة اللّه
تقول: «اِلْتَفِتُوا إِلَيَّ وَٱخْلُصُوا يَا جَمِيعَ أَقَاصِي ٱلأَرْضِ لأنِّي أَنَا ٱللّٰهُ وَلَيْسَ آخَرَ» (إشعياء 45: 22)، وجاء أيضاً في نبوة إرميا 17: 5 «مَلْعُونٌ ٱلرَّجُلُ ٱلَّذِي يَتَّكِلُ عَلَى ٱلإِنْسَانِ وَيَجْعَلُ ٱلْبَشَرَ ذِرَاعَهُ».
إضافة
إلى ذلك هناك تصريحات الوحي الإلهي الكثيرة التي تدين
الوثنية والتعبُّد لغير اللّه. من هنا كان الأمر بسيطاً للغاية.
فهي واحدة من اثنتين: إمّا أن ألوهية المسيح التي يعلّمها الكتاب
المقدس هي حق، أو أن الكتاب المقدس مضلّل وليس من اللّه.
تضع
كلمة اللّه اعتراف الإِنسان بألوهية المسيح والارتكان له
والإتكال عليه اتكالاً مطلقاً كالمخلّص الوحيد على مرتبة عالية
جداً. وقد اعتبر هذا الاعتراف دليلاً على صدق انتماء الفرد للّه.
12 - ديّان كل البشر:
يشغل
موضوع الدينونة النهائية مكاناً مهماً ضمن تعليم يسوع
المسيح. فهو يشدد على أن دينونة البشر واقعة فحسب، بل أنه أكد على
أن المسيح هو بالذات الذي سيقوم بدور الديان. فهو الذي سيصدر
الأحكام النهائية على كل البشر، وهو الذي يقرر المصير الأبدي لكل
منهم. فقد قال: «لأنَّ ٱلآبَ لا يَدِينُ
أَحَداً، بَلْ قَدْ أَعْطَى كُلَّ ٱلدَّيْنُونَةِ لِلابْنِ،
لِكَيْ يُكْرِمَ ٱلْجَمِيعُ ٱلابْنَ كَمَا يُكْرِمُونَ
ٱلآبَ... تَأْتِي سَاعَةٌ وَهِيَ ٱلآنَ، حِينَ يَسْمَعُ
ٱلأَمْوَاتُ صَوْتَ ٱبْنِ ٱللّٰهِ، وَٱلسَّامِعُونَ يَحْيَوْنَ...
فَيَخْرُجُ ٱلَّذِينَ فَعَلُوا ٱلصَّالِحَاتِ إِلَى
قِيَامَةِ ٱلْحَيَاةِ وَٱلَّذِينَ عَمِلُوا ٱلسَّيِّئَاتِ إِلَى
قِيَامَةِ ٱلدَّيْنُونَةِ» (يوحنا 5: 22-29).
ربما
يكون الفصل الخامس والعشرون من الإنجيل حسب متى أهم نص
في الوحي الإلهي فيما يخص التعليم عن نهاية العالم. وهو يوجه
أنظارنا إلى كون المسيح الملك الديّان، فيقول: «وَمَتَى
جَاءَ ٱبْنُ ٱلإِنْسَانِ فِي مَجْدِهِ وَجَمِيعُ ٱلْمَلائِكَةِ
ٱلْقِدِّيسِينَ مَعَهُ، فَحِينَئِذٍ يَجْلِسُ عَلَى
كُرْسِيِّ مَجْدِهِ. وَيَجْتَمِعُ أَمَامَهُ جَمِيعُ ٱلشُّعُوبِ،
فَيُمَيِّزُ بَعْضَهُمْ مِنْ بَعْضٍ كَمَا يُمَيِّزُ ٱلرَّاعِي
ٱلْخِرَافَ مِنَ ٱلْجِدَاءِ، فَيُقِيمُ ٱلْخِرَافَ عَنْ يَمِينِهِ
وَٱلْجِدَاءَ عَنِ ٱلْيَسَارِ. ثُمَّ يَقُولُ ٱلْمَلِكُ
لِلَّذِينَ عَنْ يَمِينِهِ: تَعَالَوْا يَا مُبَارَكِي أَبِي،
رِثُوا ٱلْمَلَكُوتَ ٱلْمُعَدَّ لَكُمْ مُنْذُ تَأْسِيسِ
ٱلْعَالَمِ... ثُمَّ يَقُولُ أَيْضاً لِلَّذِينَ عَنِ
ٱلْيَسَارِ: ٱذْهَبُوا عَنِّي يَا مَلاعِينُ إِلَى ٱلنَّارِ
ٱلأَبَدِيَّةِ ٱلْمُعَدَّةِ لِإِبْلِيسَ وَمَلائِكَتِهِ...
فَيَمْضِي هٰؤُلاءِ إِلَى عَذَابٍ أَبَدِيٍّ وَٱلأَبْرَارُ إِلَى
حَيَاةٍ أَبَدِيَّةٍ» (عدد 31-46).
لقد
أكد السيد المسيح على أنه الرب الديان، الذي بيده مصير
البشر، منذ بداية خدمته الجمهورية. فعندما ألقى عظته الرسمية
الافتتاحية لتلك الخدمة (المعروفة بالموعظة على الجبل) قال
لجماهير مستمعيه: «لَيْسَ كُلُّ مَنْ
يَقُولُ لِي: يَا رَبُّ يَا رَبُّ، يَدْخُلُ مَلَكُوتَ
ٱلسَّمَاوَاتِ. بَلِ ٱلَّذِي يَفْعَلُ إِرَادَةَ أَبِي ٱلَّذِي
فِي ٱلسَّمَاوَاتِ. كَثِيرُونَ سَيَقُولُونَ لِي فِي
ذٰلِكَ ٱلْيَوْمِ: يَا رَبُّ يَا رَبُّ، أَلَيْسَ بِٱسْمِكَ
تَنَبَّأْنَا، وَبِٱسْمِكَ أَخْرَجْنَا شَيَاطِينَ، وَبِٱسْمِكَ
صَنَعْنَا قُوَّاتٍ كَثِيرَةً؟ فَحِينَئِذٍ أُصَرِّحُ لَهُمْ:
إِنِّي لَمْ أَعْرِفْكُمْ قَطُّ! ٱذْهَبُوا عَنِّي يَا
فَاعِلِي ٱلإِثْمِ» (متى 7: 21 - 23).
وأفادنا رسل المسيح بالحقيقة عينها، فالرسول بطرس قال عن يسوع: «هٰذَا هُوَ ٱلْمُعَيَّنُ مِنَ ٱللّٰهِ دَيَّاناً لِلأَحْيَاءِ وَٱلأَمْوَاتِ» (أعمال الرسل 10: 42). والرسول بولس قال: «لأنَّهُ
لا بُدَّ أَنَّنَا جَمِيعاً نُظْهَرُ أَمَامَ كُرْسِيِّ
ٱلْمَسِيحِ، لِيَنَالَ كُلُّ وَاحِدٍ مَا كَانَ بِٱلْجَسَدِ
بِحَسَبِ مَا صَنَعَ، خَيْراً كَانَ أَمْ شَرّ» (2 كورنثوس
5: 10). وهذه لم تكن قناعات الرسل فحسب، بل أن الكنيسة المسيحية
تمسكت بها، مضيفة إياها إلى لائحة معتقداتها الأساسية.
لم
يتردد الربّ يسوع أبداً أن ينسب إلى نفسه أسمى امتيازات
الألوهية. فهو لم يعمل ذلك فقط، بل رحّب بما نسبه له الآخرون من
ميزات الربوبية وألقابها الجوهرية مثل: القداسة، الأزلية، السلطان
على مغفرة الخطايا، القدرة على افتداء حياة الناس، الحق في
أن يُصلَّى إليه ويُعبَد، وسلطان الحكم النهائي على مصير
البشر.
الفصل الرابع: وجود المسيح الأزلي قبل التجسد
في
سلسلة من البيانات المتتابعة والهامة جداً، يبلغنا السيد
المسيح أموراً جوهرية عن نفسه. لقد حرص كل الحرص على أن يعرفنا
أن وجوده لم يبدأ عند ولادته في بلدة بيت لحم، إنما هو «أتى» أو «نزل» من السماء إلى الأرض، وأنه «أُرسل من قِبَل الآب».
فمن الواضح أنه كان موجوداً قبل ذلك. تلك البيانات التي
نحن بصددها لا تمثل مجرد شهادة فريدة لمهمته الإلهية على الأرض،
بل أنها تشهد أيضاً لأصله السماوي. إنها تقدم المسيح لنا ليس فقط
كأعظم بني البشر، بل كمن سَبق وجودُه تجسدَه. إنها إشارات
أزليته وسرمديته واضحة، وتؤكد أنه لم يكن لوجوده بداية ولن تكون
له نهاية. إنه هو البداية والنهاية. وقد نبعث تصريحات السيد
المسيح هذه عن وعيه وإدراكه لوجوده الأزلي. وهكذا فإن المسيح يضع
نفسه في مكانة أعلى وأهم من مكانة أصله البشري والأرضي.
وهذا ما يفسر لنا كلام المسيح للبشر عن الأمور الروحية السامية،
طالباً إليهم أن يكيّفوا حياتهم بمقتضى تعاليمه الهامة. وهذه بعض
النصوص الكتابية التي تدعم وجهة نظرنا:
يصرّح المسيح فقط بوجوده قبل مجيئه إلى العالم، بل أيضاً
أنه كان موجوداً منذ الأزل. هذا ما نراه في النصوص الإنجيلية
التالية كما رواها القديس يوحنا:
نجد دلالة قاطعة أن علة وجوده هي من ذاته وليست من مصدر
خارجي. هذا يذكّرنا بما ورد في التوراة في سفر الخروج 3: 14 «أهيه الذي أهيه» وهو تعبير يشير إلى عظمة اللّه وجلاله، وليس فقط إلى وجوده. «أهيه» أو «يهوه» هو الإسم العبري للّه، والمترجم في العربية ب «الرب». والترجمة الحرفية للتعبير «أهيه الذي أهيه» هي: «الكائن الذي هو كائن».
وهو الاسم الذي يشدّد على كون اللّه هو وحده الكائن الأزلي،
بمطلق ما في ذلك من تعبير. فهو وحده الذي يتصرّف بحرّية
واستقلالية مطلقتين. هذا ما أراد اللّه أن يعرّف نفسه به لعبده
موسى. ويسوع هنا ينسب لنفسه ذات الإسم «الكائن الذي هو كائن»
أي اللّه الكائن بذاته منذ الأزل. ونجد نفس المعاني فيما ينسبه
سفر الرؤيا للمسيح حيث يتكلّم يوحنا الرائي على لسان
يسوع فيقول: «أَنَا ٱلأَلِفُ وَٱلْيَاءُ، ٱلْبِدَايَةُ وَٱلنِّهَايَةُ، ٱلأَوَّلُ وَٱلآخِرُ» (سفر الرؤيا 22: 13).
لم
يكشف يسوع إذن عن وجوده السابق للتجسد فحسب، بل أيضاً كشف عن
أن ذلك الوجود هو أزلي. هذا يطابق تماماً بيانات الآخرين
عنه في الإنجيل (العهد الجديد)، فيوحنا المعمدان قال عن المسيح: «يَأْتِي بَعْدِي، رَجُلٌ صَارَ قُدَّامِي، لأنَّهُ كَانَ قَبْلِي»
(يوحنا 1: 30). بالطبع لم يكن المقصود هنا أن يسوع وُلد
قبل يوحنا المعمدان، لأن يوحنا كان قد وُلد قبل يسوع ببضعة أشهر،
ولكن المقصود بالتعبير «صار قدّامي»
الإشارة إلى رتبة المسيح الأسمى من رتبة يوحنا. فالمسيح هو
الكلمة ذو الكيان السابق، المعادل للآب من جهة كل شيء، بما في ذلك
عملية الخلق. يسوع المسيح هو الأساس الذي «صَارَ
جَسَداً وَحَلَّ بَيْنَنَا، وَرَأَيْنَا مَجْدَهُ، مَجْداً
كَمَا لِوَحِيدٍ مِنَ ٱلآبِ، مَمْلُوءاً نِعْمَةً وَحَقّ» (يوحنا 1: 14).
أمّا بولس الرسول فيعطينا ما يمثّل قمة الحق الإلهي المكشوف للبشر فيقول: «صَادِقَةٌ
هِيَ ٱلْكَلِمَةُ وَمُسْتَحِقَّةٌ كُلَّ قُبُولٍ: أَنَّ
ٱلْمَسِيحَ يَسُوعَ جَاءَ إِلَى ٱلْعَالَمِ لِيُخَلِّصَ
ٱلْخُطَاةَ» (1 تيموثاوس 1: 15)، ويكتب أيضاً إلى المؤمنين في كولوسي: «فِيهِ
(أي في المسيح)خُلِقَ ٱلْكُلُّ: مَا فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَمَا
عَلَى ٱلأَرْضِ، مَا يُرَى وَمَا لا يُرَى، سَوَاءٌ
كَانَ عُرُوشاً أَمْ سِيَادَاتٍ أَمْ رِيَاسَاتٍ أَمْ سَلاطِينَ.
ٱلْكُلُّ بِهِ وَلَهُ قَدْ خُلِقَ. اَلَّذِي هُوَ قَبْلَ كُلِّ
شَيْءٍ، وَفِيهِ يَقُومُ ٱلْكُلُّ» (كولوسي 1: 16، 17) وكتب بولس أيضاً عن المسيح إلى تلميذه تيموثاوس قائلاً: «ٱللّٰهُ ظَهَرَ فِي ٱلْجَسَدِ» (1 تيموثاوس 3: 16).
أمّا كاتب الرسالة إلى العبرانيين فيقول: «يَسُوعُ ٱلْمَسِيحُ هُوَ هُوَ أَمْساً وَٱلْيَوْمَ وَإِلَى ٱلأَبَدِ» (عبرانيين 13: ، فالمسيح بقي «هو هو» دون تغيير، مع كل تغيير طرأ على غيره. «هو هو» في هذا الجيل الحاضر كما في الماضي القريب أو البعيد. «هو هو»
في المستقبل أيضاً. وفي هذا المسيح الثابت، الذي لا يعتريه تغيير
ولا ظل دوران، يجد المؤمن سنده وملجأه الأبدي الأكيد.
ولا
تقتصر هذه البيانات على كتابات العهد الجديد (الإنجيل).
فهناك نبؤات كتبها أنبياء العهد القديم بخصوص المسيح المنتظر
والتي سبقت مجيئه بمئات السنين، ولم تتحدث عن مجرد ولادته
المتوقعة كإنسان كامل، بل أنها أيضاً أكّدت حقيقة وجوده قبل مجيئه
إلى الأرض، فأظهرت أن وجوده السابق يرجع إلى الأزل وقبل
أن يوجد الزمن نفسه. هذا ما وضّحه النبي ميخا الذي كتب سفره
حوالي سبعمائة عامٍ قبل مجيء المسيح. ففي معرض نبوته عن مكان مولد
المسيح يقول: «أَمَّا أَنْتِ يَا بَيْتَ
لَحْمَِ أَفْرَاتَةَ، وَأَنْتِ صَغِيرَةٌ أَنْ تَكُونِي بَيْنَ
أُلُوفِ يَهُوذَا، فَمِنْكِ يَخْرُجُ لِي ٱلَّذِي يَكُونُ
مُتَسَلِّطاً عَلَى إِسْرَائِيلَ، وَمَخَارِجُهُ مُنْذُ
ٱلْقَدِيمِ مُنْذُ أَيَّامِ ٱلأَزَلِ» (ميخا 5: 2). والنبي
أشعياء الذي عاش في نفس الفترة التي عاش فيها النبي ميخا، وصف
المسيح، بروح النبوة فقال إنه يكون «عَجِيباً، مُشِيراً، إِلَهاً قَدِيراً، أَباً أَبَدِيّاً، رَئِيسَ ٱلسَّلامِ» (إشعياء 9: 6).
يبرز
يسوع المسيح عبر كل التاريخ البشري كالمنتظَر مجيئُه
قبل مئات السنين. لم تكن هناك نبؤات ولا توقُّعات بمجيء غيره من
الشخصيات التاريخية لأنه لم يكن كالإسكندر الكبير أو نابليون أو
غيرهما من القادة الذين لم ينتظرهم أحد في أوقات وأمكنة ظهورهم.
وحتى قبل وجود الأنبياء أنفسهم قطع اللّه الوعد بمجيئه،
فبمجرد أن وقع أبوانا الأولان آدم وحواء في خطية العصيان، وكسرا
وصية اللّه، جاء الوعد بقدوم المخلّص، فقد أخبر اللّه إبليس
المتمثل بالحية الخادعة بأن نسل حواء «هُوَ يَسْحَقُ رَأْسَكِ»
(تكوين 3: 15). وهذا ما تحقق في عمل المسيح الكفاري وانتصاره
التاريخي الساحق على إبليس. ولكن على مرّ الزمن توالت المواعيد
والبيانات على فم أنبياء اللّه بمجيء المسيّا والمخلّص
المنتظَر، حتى أنّه في عصر ولادة المسيح من مريم العذراء ومجيئه
إلى العالم كان هناك شعور وتوقع عام بقرب مجيئه، وكان أسلوب
وموضوع ولادته واضحين لمنتظري تحقيق مواعيد اللّه، فقد وُصف في
الأسفار المقدسة كمَن «نزل» من السماء إلى الأرض. وكمَنْ شارك الآب في مجده منذ الأزل، لا بل وكمَنْ «خرج من عند الآبَ»
(يوحنا 16: 28). أي كمَنْ هو في أوثق وأهم المعاني، واحد مع
اللّه. كلماته ذاتها لا تترك مجالاً للشك في أنه يعتبر نفسه
زائراً للأرض من عالم أسمى، وأنه جاء في مهمة سماوية خاصة على
الأرض لخلاص البشر وفدائهم.
قال أحد كبار اللاهوتيين: «في
دراستنا ليسوع المسيح، من المهم جداً أن نتفهم حياته على ضوء
وجوده السابق لقدومه إلى عالم البشر، فتجسُّده لم يكن مجرد ولادة
رجل عظيم، لأن تجسد المسيح يعني دخول اللّه إلى حيّز
ومحيط الوجود البشريين. وهكذا نكون على إدراك مستمر أنه في يسوع
المسيح نلتقي وجهاً لوجه مع الإله المتجسد. ومن جهة أخرى فإن
إدراكنا لهذا الأمر يولّد فينا تقديراً لائقاً بالخدمة التي جاء
للقيام بها من أجلنا. من باب المستحيلات أن يكون مفهومنا
للمسيح يتفق مع عظمة ما قام به، ما لم ندرك أن ابن الإِنسان قد
جاء لا ليُخدَم بل ليَخْدِم ويبذل نفسه فدية عن كثيرين» (متى 20: 28).
نقرأ
بوضوح في الإنجيل عن مناسبات عديدة سجد فيها البشر للمسيح
وعبدوه. فالبشير متى يذكر لنا أنه لما أرشد اللّه المجوس
(حكماء المشرق) إلى مكان ولادة مخلّص البشر في بيت لحم بفلسطين،
فإنهم «خَرُّوا وَسَجَدُوا لَهُ» بمجرد رؤيتهم للطفل يسوع (2: 11). وعندما مشى المسيح على الماء فإن الذين كانوا في السفينة سجدوا له قائلين: «بِٱلْحَقِيقَةِ أَنْتَ ٱبْنُ ٱللّٰهِ» (14: 33)، سجدت له أيضاً المرأة الكنعانية قائلة: «يَا سَيِّدُ أَعِنِّي» (15: 25)، وكذلك تلاميذه عندما ظهر لهم في الجليل بعد قيامته «وَلَمَّا رَأَوْهُ سَجَدُوا لَهُ» (28: 17).
ويذكر البشير لوقا في 24: 51 و 52 عن صعود المسيح إلى السماء «ٱنْفَرَدَ عَنْهُمْ وَأُصْعِدَ إِلَى ٱلسَّمَاءِ. فَسَجَدُوا لَهُ».
أمّا
يوحنا فيخبرنا عن سجود الأعمى للمسيح بعد أن أعاد إليه
بصره وأمره بالاغتسال في بركة سلوام (9: 38)، وأيضاً عن تلميذه
توما عند رؤيته لسيده بعد قيامته من الموت إذ سجد له قائلاً: «رَبِّي وَإِلٰهِي»
(20: 28). وهو هنا لم يكتف بالسجود له، بل أشار إليه
كإِلهه وربّه الذي يتعبَّد له. وجدير بالذكر أن المسيح لم يوبّخه
على ما تكلّم به، بل تجدر الإِشارة هنا إلى أن هؤلاء الناس من
ملوك إلى تلامذة وأناس عاديين ومن كانوا بحاجة إلى شفاء من
مرض أو علة جسدية، جميعهم قد تساووا في السجود له معترفين
بألوهيته. ففي كافة الظروف والمناسبات لم يعترض يسوع المسيح
بتاتاً على سجود البشر له وعبادتهم إياه، بل تقبّل تلك المواقف
البشرية كأمور ضرورية ولائقة به.
أعطى
يسوع شهادات مهمة جداً تتعلق بألوهيته وباستحقاقه
للعبادة، وإذ أراد من المؤمنين به أن يضعوا ثقتهم به ويتّكلوا
عليه اتكالاً كاملاً في كل أمور حياتهم جَاءهم بهذا التأكيد
قائلاً: «حَيْثُمَا ٱجْتَمَعَ ٱثْنَانِ أَوْ ثَلاثَةٌ بِٱسْمِي فَهُنَاكَ أَكُونُ فِي وَسَطِهِمْ» (متى 18: 20)، وكذلك قبل صعوده إلى السماء قال لهم: «هَا أَنَا مَعَكُمْ كُلَّ ٱلأَيَّامِ إِلَى ٱنْقِضَاءِ ٱلدَّهْرِ» (متى 28: 20).
إن
تصريحات كهذه لا يمكن أَخْذها إلاّ من منطلق رغبة المسيح
في الكشف عن ألوهيته، فمَنْ غير اللّه يستطيع أن يكون في كل
مكان؟ من هنا كانت محتويات أسفار العهد الجديد ومواقف الكنيسة
المسيحية الرسولية الأولى التي اتفقت في إصرارها على تقديم
الإكرام والعبادة المختصين باللّه وحده، ليسوع المسيح: «لِكَيْ
يُكْرِمَ ٱلْجَمِيعُ ٱلابْنَ كَمَا يُكْرِمُونَ ٱلآبَ.
مَنْ لا يُكْرِمُ ٱلابْنَ لا يُكْرِمُ ٱلآبَ ٱلَّذِي أَرْسَلَهُ»
(يوحنا 5: 23). وقد عبّر المؤمنون عن ذلك ليس أثناء ظروف حياتهم
العادية فحسب، بل حتى تحت أشد ويلات الاضطهاد، كما دعا
القديس إستفانوس في صلاته، عندما استشهد لأجل مناداته بالإنجيل،
للمسيح: «أَيُّهَا ٱلرَّبُّ يَسُوعُ ٱقْبَلْ رُوحِي» (أعمال الرسل 7: 59).
إن
السجود والتعبد للمسيح هما من ركائز المناداة بالإنجيل،
ومن المتطلبات الرئيسية للذين ينتمون للمسيح وينالون خلاصه. من
هنا طرح المسيح في الإنجيل أهمّ الأسئلة إطلاقاً: «ماذا ينبغي أن أفعل لكي أخلص؟»
وقد وردت عليه ردود كثيرة جميعها تفيد بضرورة الإيمان
بالمسيح والتعبُّد له. وفيما يلي نسرد بعضاً منها:
- «آمِنْ بِٱلرَّبِّ يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ فَتَخْلُصَ» (أعمال الرسل 16: 31).
- «إِنِ ٱعْتَرَفْتَ بِفَمِكَ بِٱلرَّبِّ يَسُوعَ، خَلَصْتَ» (رومية 10: 9).
- «لأنَّ كُلَّ مَنْ يَدْعُو بِٱسْمِ ٱلرَّبِّ يَخْلُصُ» (رومية 10: 13).
- «لِكَيْ
تَجْثُوَ بِٱسْمِ يَسُوعَ كُلُّ رُكْبَة...
ٍوَيَعْتَرِفَ كُلُّ لِسَانٍ أَنَّ يَسُوعَ ٱلْمَسِيحَ هُوَ
رَبٌّ» (فيلبي 2: 10، 11). - «وَلْتَسْجُدْ لَهُ كُلُّ مَلائِكَةِ ٱللّٰهِ» (عبرانيين 1: 6).
أن هناك التصريحات الرسولية التي يصعب عدّها والتي سجلها
الوحي الإلهي، وكلّها تؤكد على ربوبية المسيح واستحقاقه أن
يُعبَد. نورد منها على سبيل المثال ما يلي:
- «رَبِّنَا وَمُخَلِّصِنَا يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ» (2 بطرس 3: 18).
- «مُسْتَحِقٌّ
هُوَ ٱلْحَمَلُ ٱلْمَذْبُوحُ أَنْ يَأْخُذَ ٱلْقُدْرَةَ
وَٱلْغِنَى وَٱلْحِكْمَةَ وَٱلْقُوَّةَ وَٱلْكَرَامَةَ
وَٱلْمَجْدَ وَٱلْبَرَكَةَ.. لِلْجَالِسِ عَلَى ٱلْعَرْشِ
وَلِلْحَمَلِ ٱلْبَرَكَةُ وَٱلْكَرَامَةُ وَٱلْمَجْدُ
وَٱلسُّلْطَانُ إِلَى أَبَدِ ٱلآبِدِينَ» (الرؤيا 5: 12، 13).
بطريقة عفوية على أساس كونهما متساويين في إشارتهما لألوهية
المسيح. فإن الرب يسوع المسيح ابن اللّه هو الذي يهب النعمة
والسلام. ومع ذلك فإن بولس لم يدع مجالاً للشك في أنه كان متمسكاً
بوحدانية اللّه، فهو يقول: «لَيْسَ إِلٰهٌ آخَرُ إِلا وَاحِد»،
(1 كورنثوس 8: 4-6). وهذا هو الإله الوحيد الذي قدّم بركته
للمؤمنين بواسطة ما يُعرَف بالبركة الرسولية التي تقول: «نِعْمَةُ
رَبِّنَا يَسُوعَ ٱلْمَسِيحِ، وَمَحَبَّةُ ٱللّٰهِ،
وَشَرِكَةُ ٱلرُّوحِ ٱلْقُدُسِ مَعَ جَمِيعِكُمْ. آمِينَ»
(2 كورنثوس 13: 14). وما هذه سوى صلاة موجهة إلى المسيح لأجل
نعمته، وإلى الآب لأجل محبته، وإلى الروح القدس لأجل شركته
المقدسة.
هذه
الحقائق التي يضعها الوحي الإلهي بين أيدينا لا يوجد تفسير
مفهوم لها سوى ذلك الذي تمسكت به الكنيسة المسيحية عبر
العصور، أي أن اللّه هو في ثلاثة أقانيم، هم جميعاً واحد في
الجوهر، ومتساوون في القدرة والمجد.
لكننا
إذا قارنا تلك التعبيرات الإنجيلية التي تنسب الصلاة
والعبادة للمسيح، مع الأخرى التي تُبرِز وحدة اللّه وجلاله،
والمجد الذي ينفرد به دون سواه، لا يكون أمامنا مفر من التسليم
بأن الوحي الإلهي إنما يكشف عن أن العبادة هي لإله واحد، وأن
المسيح هو في نفس الوقت مَن يعبده المؤمنون. فكلمة اللّه
تقول: «اِلْتَفِتُوا إِلَيَّ وَٱخْلُصُوا يَا جَمِيعَ أَقَاصِي ٱلأَرْضِ لأنِّي أَنَا ٱللّٰهُ وَلَيْسَ آخَرَ» (إشعياء 45: 22)، وجاء أيضاً في نبوة إرميا 17: 5 «مَلْعُونٌ ٱلرَّجُلُ ٱلَّذِي يَتَّكِلُ عَلَى ٱلإِنْسَانِ وَيَجْعَلُ ٱلْبَشَرَ ذِرَاعَهُ».
إضافة
إلى ذلك هناك تصريحات الوحي الإلهي الكثيرة التي تدين
الوثنية والتعبُّد لغير اللّه. من هنا كان الأمر بسيطاً للغاية.
فهي واحدة من اثنتين: إمّا أن ألوهية المسيح التي يعلّمها الكتاب
المقدس هي حق، أو أن الكتاب المقدس مضلّل وليس من اللّه.
تضع
كلمة اللّه اعتراف الإِنسان بألوهية المسيح والارتكان له
والإتكال عليه اتكالاً مطلقاً كالمخلّص الوحيد على مرتبة عالية
جداً. وقد اعتبر هذا الاعتراف دليلاً على صدق انتماء الفرد للّه.
12 - ديّان كل البشر:
يشغل
موضوع الدينونة النهائية مكاناً مهماً ضمن تعليم يسوع
المسيح. فهو يشدد على أن دينونة البشر واقعة فحسب، بل أنه أكد على
أن المسيح هو بالذات الذي سيقوم بدور الديان. فهو الذي سيصدر
الأحكام النهائية على كل البشر، وهو الذي يقرر المصير الأبدي لكل
منهم. فقد قال: «لأنَّ ٱلآبَ لا يَدِينُ
أَحَداً، بَلْ قَدْ أَعْطَى كُلَّ ٱلدَّيْنُونَةِ لِلابْنِ،
لِكَيْ يُكْرِمَ ٱلْجَمِيعُ ٱلابْنَ كَمَا يُكْرِمُونَ
ٱلآبَ... تَأْتِي سَاعَةٌ وَهِيَ ٱلآنَ، حِينَ يَسْمَعُ
ٱلأَمْوَاتُ صَوْتَ ٱبْنِ ٱللّٰهِ، وَٱلسَّامِعُونَ يَحْيَوْنَ...
فَيَخْرُجُ ٱلَّذِينَ فَعَلُوا ٱلصَّالِحَاتِ إِلَى
قِيَامَةِ ٱلْحَيَاةِ وَٱلَّذِينَ عَمِلُوا ٱلسَّيِّئَاتِ إِلَى
قِيَامَةِ ٱلدَّيْنُونَةِ» (يوحنا 5: 22-29).
ربما
يكون الفصل الخامس والعشرون من الإنجيل حسب متى أهم نص
في الوحي الإلهي فيما يخص التعليم عن نهاية العالم. وهو يوجه
أنظارنا إلى كون المسيح الملك الديّان، فيقول: «وَمَتَى
جَاءَ ٱبْنُ ٱلإِنْسَانِ فِي مَجْدِهِ وَجَمِيعُ ٱلْمَلائِكَةِ
ٱلْقِدِّيسِينَ مَعَهُ، فَحِينَئِذٍ يَجْلِسُ عَلَى
كُرْسِيِّ مَجْدِهِ. وَيَجْتَمِعُ أَمَامَهُ جَمِيعُ ٱلشُّعُوبِ،
فَيُمَيِّزُ بَعْضَهُمْ مِنْ بَعْضٍ كَمَا يُمَيِّزُ ٱلرَّاعِي
ٱلْخِرَافَ مِنَ ٱلْجِدَاءِ، فَيُقِيمُ ٱلْخِرَافَ عَنْ يَمِينِهِ
وَٱلْجِدَاءَ عَنِ ٱلْيَسَارِ. ثُمَّ يَقُولُ ٱلْمَلِكُ
لِلَّذِينَ عَنْ يَمِينِهِ: تَعَالَوْا يَا مُبَارَكِي أَبِي،
رِثُوا ٱلْمَلَكُوتَ ٱلْمُعَدَّ لَكُمْ مُنْذُ تَأْسِيسِ
ٱلْعَالَمِ... ثُمَّ يَقُولُ أَيْضاً لِلَّذِينَ عَنِ
ٱلْيَسَارِ: ٱذْهَبُوا عَنِّي يَا مَلاعِينُ إِلَى ٱلنَّارِ
ٱلأَبَدِيَّةِ ٱلْمُعَدَّةِ لِإِبْلِيسَ وَمَلائِكَتِهِ...
فَيَمْضِي هٰؤُلاءِ إِلَى عَذَابٍ أَبَدِيٍّ وَٱلأَبْرَارُ إِلَى
حَيَاةٍ أَبَدِيَّةٍ» (عدد 31-46).
لقد
أكد السيد المسيح على أنه الرب الديان، الذي بيده مصير
البشر، منذ بداية خدمته الجمهورية. فعندما ألقى عظته الرسمية
الافتتاحية لتلك الخدمة (المعروفة بالموعظة على الجبل) قال
لجماهير مستمعيه: «لَيْسَ كُلُّ مَنْ
يَقُولُ لِي: يَا رَبُّ يَا رَبُّ، يَدْخُلُ مَلَكُوتَ
ٱلسَّمَاوَاتِ. بَلِ ٱلَّذِي يَفْعَلُ إِرَادَةَ أَبِي ٱلَّذِي
فِي ٱلسَّمَاوَاتِ. كَثِيرُونَ سَيَقُولُونَ لِي فِي
ذٰلِكَ ٱلْيَوْمِ: يَا رَبُّ يَا رَبُّ، أَلَيْسَ بِٱسْمِكَ
تَنَبَّأْنَا، وَبِٱسْمِكَ أَخْرَجْنَا شَيَاطِينَ، وَبِٱسْمِكَ
صَنَعْنَا قُوَّاتٍ كَثِيرَةً؟ فَحِينَئِذٍ أُصَرِّحُ لَهُمْ:
إِنِّي لَمْ أَعْرِفْكُمْ قَطُّ! ٱذْهَبُوا عَنِّي يَا
فَاعِلِي ٱلإِثْمِ» (متى 7: 21 - 23).
وأفادنا رسل المسيح بالحقيقة عينها، فالرسول بطرس قال عن يسوع: «هٰذَا هُوَ ٱلْمُعَيَّنُ مِنَ ٱللّٰهِ دَيَّاناً لِلأَحْيَاءِ وَٱلأَمْوَاتِ» (أعمال الرسل 10: 42). والرسول بولس قال: «لأنَّهُ
لا بُدَّ أَنَّنَا جَمِيعاً نُظْهَرُ أَمَامَ كُرْسِيِّ
ٱلْمَسِيحِ، لِيَنَالَ كُلُّ وَاحِدٍ مَا كَانَ بِٱلْجَسَدِ
بِحَسَبِ مَا صَنَعَ، خَيْراً كَانَ أَمْ شَرّ» (2 كورنثوس
5: 10). وهذه لم تكن قناعات الرسل فحسب، بل أن الكنيسة المسيحية
تمسكت بها، مضيفة إياها إلى لائحة معتقداتها الأساسية.
لم
يتردد الربّ يسوع أبداً أن ينسب إلى نفسه أسمى امتيازات
الألوهية. فهو لم يعمل ذلك فقط، بل رحّب بما نسبه له الآخرون من
ميزات الربوبية وألقابها الجوهرية مثل: القداسة، الأزلية، السلطان
على مغفرة الخطايا، القدرة على افتداء حياة الناس، الحق في
أن يُصلَّى إليه ويُعبَد، وسلطان الحكم النهائي على مصير
البشر.
الفصل الرابع: وجود المسيح الأزلي قبل التجسد
في
سلسلة من البيانات المتتابعة والهامة جداً، يبلغنا السيد
المسيح أموراً جوهرية عن نفسه. لقد حرص كل الحرص على أن يعرفنا
أن وجوده لم يبدأ عند ولادته في بلدة بيت لحم، إنما هو «أتى» أو «نزل» من السماء إلى الأرض، وأنه «أُرسل من قِبَل الآب».
فمن الواضح أنه كان موجوداً قبل ذلك. تلك البيانات التي
نحن بصددها لا تمثل مجرد شهادة فريدة لمهمته الإلهية على الأرض،
بل أنها تشهد أيضاً لأصله السماوي. إنها تقدم المسيح لنا ليس فقط
كأعظم بني البشر، بل كمن سَبق وجودُه تجسدَه. إنها إشارات
أزليته وسرمديته واضحة، وتؤكد أنه لم يكن لوجوده بداية ولن تكون
له نهاية. إنه هو البداية والنهاية. وقد نبعث تصريحات السيد
المسيح هذه عن وعيه وإدراكه لوجوده الأزلي. وهكذا فإن المسيح يضع
نفسه في مكانة أعلى وأهم من مكانة أصله البشري والأرضي.
وهذا ما يفسر لنا كلام المسيح للبشر عن الأمور الروحية السامية،
طالباً إليهم أن يكيّفوا حياتهم بمقتضى تعاليمه الهامة. وهذه بعض
النصوص الكتابية التي تدعم وجهة نظرنا:
- «لا
تَظُنُّوا أَنِّي جِئْتُ لأنْقُضَ ٱلنَّامُوسَ أَوِ
ٱلأَنْبِيَاءَ. مَا جِئْتُ لأنْقُضَ بَلْ لأُكَمِّلَ». - «لا
تَظُنُّوا أَنِّي جِئْتُ لأُلْقِيَ سَلاماً عَلَى
ٱلأَرْضِ. مَا جِئْتُ لأُلْقِيَ سَلاماً بَلْ سَيْفاً. فَإِنِّي
جِئْتُ لأُفَرِّقَ ٱلإِنْسَانَ ضِدَّ أَبِيهِ، وَٱلابْنَةَ ضِدَّ
أُمِّهَا، وَٱلْكَنَّةَ ضِدَّ حَمَاتِهَا.
وَأَعْدَاءُ ٱلإِنْسَانِ أَهْلُ بَيْتِهِ». (متى 5: 17 و
10: 34 - 36). ليس المقصود هنا تسبيب الخصام، بل أن حياة الإيمان
الجديدة تتسبَّب في عداء ومعارضة لأصحابها، لدرجة أن
ينبذهم أهلهم ومجتمعهم غير المؤمن. - «لِنَذْهَبْ إِلَى ٱلْقُرَى ٱلْمُجَاوِرَةِ لأكْرِزَ هُنَاكَ أَيْضاً، لأنِّي لِهٰذَا خَرَجْتُ».
- «لا
يَحْتَاجُ ٱلأَصِحَّاءُ إِلَى طَبِيبٍ بَلِ
ٱلْمَرْضَى. لَمْ آتِ لأدْعُوَ أَبْرَاراً بَلْ خُطَاةً إِلَى
ٱلتَّوْبَةِ». - «لأنَّ
ٱبْنَ ٱلإِنْسَانِ أَيْضاً لَمْ يَأْتِ لِيُخْدَمَ
بَلْ لِيَخْدِمَ وَلِيَبْذِلَ نَفْسَهُ فِدْيَةً عَنْ كَثِيرِينَ». (مرقس 1: 38 و 2: 17 و 10: 45). - «لأنَّ ٱبْنَ ٱلإِنْسَانِ قَدْ جَاءَ لِكَيْ يَطْلُبَ وَيُخَلِّصَ مَا قَدْ هَلَكَ» (لوقا 19: 10).
- «لَيْسَ
أَحَدٌ صَعِدَ إِلَى ٱلسَّمَاءِ إِلا ٱلَّذِي نَزَلَ
مِنَ ٱلسَّمَاءِ، ٱبْنُ ٱلإِنْسَانِ ٱلَّذِي هُوَ فِي ٱلسَّمَاءِ». - «اَلَّذِي
يَأْتِي مِنْ فَوْقُ هُوَ فَوْقَ ٱلْجَمِيعِ،
وَٱلَّذِي مِنَ ٱلأَرْضِ هُوَ أَرْضِيٌّ، وَمِنَ ٱلأَرْضِ
يَتَكَلَّمُ. اَلَّذِي يَأْتِي مِنَ ٱلسَّمَاءِ هُوَ فَوْقَ
ٱلْجَمِيعِ، وَمَا رَآهُ وَسَمِعَهُ بِهِ يَشْهَدُ،...
لأنَّ ٱلَّذِي أَرْسَلَهُ ٱللّٰهُ يَتَكَلَّمُ بِكَلامِ ٱللّٰهِ». - «فَإِنْ رَأَيْتُمُ ٱبْنَ ٱلإِنْسَانِ صَاعِداً إِلَى حَيْثُ كَانَ أَّوَلاً...».
- «لأنِّي
أَعْلَمُ مِنْ أَيْنَ أَتَيْتُ وَإِلَى أَيْنَ
أَذْهَبُ... لأنِّي لَسْتُ وَحْدِي، بَلْ أَنَا وَٱلآبُ ٱلَّذِي
أَرْسَلَنِي». - «أَنْتُمْ
مِنْ أَسْفَلُ، أَمَّا أَنَا فَمِنْ فَوْقُ. أَنْتُمْ
مِنْ هٰذَا ٱلْعَالَمِ، أَمَّا أَنَا فَلَسْتُ مِنْ هٰذَا
ٱلْعَالَمِ». - «خَرَجْتُ مِنْ عِنْدِ ٱلآبِ، وَقَدْ أَتَيْتُ إِلَى ٱلْعَالَمِ، وَأَيْضاً أَتْرُكُ ٱلْعَالَمَ وَأَذْهَبُ إِلَى ٱلآبِ» (3: 13، 3: 31 - 34، 6: 62، 8: 14 و 16، 8: 23، 16: 28).
يصرّح المسيح فقط بوجوده قبل مجيئه إلى العالم، بل أيضاً
أنه كان موجوداً منذ الأزل. هذا ما نراه في النصوص الإنجيلية
التالية كما رواها القديس يوحنا:
- «قَبْلَ أَنْ يَكُونَ إِبْرَاهِيمُ أَنَا كَائِنٌ» .
- «وَٱلآنَ
مَجِّدْنِي أَنْتَ أَيُّهَا ٱلآبُ عِنْدَ ذَاتِكَ
بِٱلْمَجْدِ ٱلَّذِي كَانَ لِي عِنْدَكَ قَبْلَ كَوْنِ
ٱلْعَالَمِ». - «لأنَّكَ أَحْبَبْتَنِي قَبْلَ إِنْشَاءِ ٱلْعَالَمِ» (8: 58، 17: 5، 17: 24).
نجد دلالة قاطعة أن علة وجوده هي من ذاته وليست من مصدر
خارجي. هذا يذكّرنا بما ورد في التوراة في سفر الخروج 3: 14 «أهيه الذي أهيه» وهو تعبير يشير إلى عظمة اللّه وجلاله، وليس فقط إلى وجوده. «أهيه» أو «يهوه» هو الإسم العبري للّه، والمترجم في العربية ب «الرب». والترجمة الحرفية للتعبير «أهيه الذي أهيه» هي: «الكائن الذي هو كائن».
وهو الاسم الذي يشدّد على كون اللّه هو وحده الكائن الأزلي،
بمطلق ما في ذلك من تعبير. فهو وحده الذي يتصرّف بحرّية
واستقلالية مطلقتين. هذا ما أراد اللّه أن يعرّف نفسه به لعبده
موسى. ويسوع هنا ينسب لنفسه ذات الإسم «الكائن الذي هو كائن»
أي اللّه الكائن بذاته منذ الأزل. ونجد نفس المعاني فيما ينسبه
سفر الرؤيا للمسيح حيث يتكلّم يوحنا الرائي على لسان
يسوع فيقول: «أَنَا ٱلأَلِفُ وَٱلْيَاءُ، ٱلْبِدَايَةُ وَٱلنِّهَايَةُ، ٱلأَوَّلُ وَٱلآخِرُ» (سفر الرؤيا 22: 13).
لم
يكشف يسوع إذن عن وجوده السابق للتجسد فحسب، بل أيضاً كشف عن
أن ذلك الوجود هو أزلي. هذا يطابق تماماً بيانات الآخرين
عنه في الإنجيل (العهد الجديد)، فيوحنا المعمدان قال عن المسيح: «يَأْتِي بَعْدِي، رَجُلٌ صَارَ قُدَّامِي، لأنَّهُ كَانَ قَبْلِي»
(يوحنا 1: 30). بالطبع لم يكن المقصود هنا أن يسوع وُلد
قبل يوحنا المعمدان، لأن يوحنا كان قد وُلد قبل يسوع ببضعة أشهر،
ولكن المقصود بالتعبير «صار قدّامي»
الإشارة إلى رتبة المسيح الأسمى من رتبة يوحنا. فالمسيح هو
الكلمة ذو الكيان السابق، المعادل للآب من جهة كل شيء، بما في ذلك
عملية الخلق. يسوع المسيح هو الأساس الذي «صَارَ
جَسَداً وَحَلَّ بَيْنَنَا، وَرَأَيْنَا مَجْدَهُ، مَجْداً
كَمَا لِوَحِيدٍ مِنَ ٱلآبِ، مَمْلُوءاً نِعْمَةً وَحَقّ» (يوحنا 1: 14).
أمّا بولس الرسول فيعطينا ما يمثّل قمة الحق الإلهي المكشوف للبشر فيقول: «صَادِقَةٌ
هِيَ ٱلْكَلِمَةُ وَمُسْتَحِقَّةٌ كُلَّ قُبُولٍ: أَنَّ
ٱلْمَسِيحَ يَسُوعَ جَاءَ إِلَى ٱلْعَالَمِ لِيُخَلِّصَ
ٱلْخُطَاةَ» (1 تيموثاوس 1: 15)، ويكتب أيضاً إلى المؤمنين في كولوسي: «فِيهِ
(أي في المسيح)خُلِقَ ٱلْكُلُّ: مَا فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَمَا
عَلَى ٱلأَرْضِ، مَا يُرَى وَمَا لا يُرَى، سَوَاءٌ
كَانَ عُرُوشاً أَمْ سِيَادَاتٍ أَمْ رِيَاسَاتٍ أَمْ سَلاطِينَ.
ٱلْكُلُّ بِهِ وَلَهُ قَدْ خُلِقَ. اَلَّذِي هُوَ قَبْلَ كُلِّ
شَيْءٍ، وَفِيهِ يَقُومُ ٱلْكُلُّ» (كولوسي 1: 16، 17) وكتب بولس أيضاً عن المسيح إلى تلميذه تيموثاوس قائلاً: «ٱللّٰهُ ظَهَرَ فِي ٱلْجَسَدِ» (1 تيموثاوس 3: 16).
أمّا كاتب الرسالة إلى العبرانيين فيقول: «يَسُوعُ ٱلْمَسِيحُ هُوَ هُوَ أَمْساً وَٱلْيَوْمَ وَإِلَى ٱلأَبَدِ» (عبرانيين 13: ، فالمسيح بقي «هو هو» دون تغيير، مع كل تغيير طرأ على غيره. «هو هو» في هذا الجيل الحاضر كما في الماضي القريب أو البعيد. «هو هو»
في المستقبل أيضاً. وفي هذا المسيح الثابت، الذي لا يعتريه تغيير
ولا ظل دوران، يجد المؤمن سنده وملجأه الأبدي الأكيد.
ولا
تقتصر هذه البيانات على كتابات العهد الجديد (الإنجيل).
فهناك نبؤات كتبها أنبياء العهد القديم بخصوص المسيح المنتظر
والتي سبقت مجيئه بمئات السنين، ولم تتحدث عن مجرد ولادته
المتوقعة كإنسان كامل، بل أنها أيضاً أكّدت حقيقة وجوده قبل مجيئه
إلى الأرض، فأظهرت أن وجوده السابق يرجع إلى الأزل وقبل
أن يوجد الزمن نفسه. هذا ما وضّحه النبي ميخا الذي كتب سفره
حوالي سبعمائة عامٍ قبل مجيء المسيح. ففي معرض نبوته عن مكان مولد
المسيح يقول: «أَمَّا أَنْتِ يَا بَيْتَ
لَحْمَِ أَفْرَاتَةَ، وَأَنْتِ صَغِيرَةٌ أَنْ تَكُونِي بَيْنَ
أُلُوفِ يَهُوذَا، فَمِنْكِ يَخْرُجُ لِي ٱلَّذِي يَكُونُ
مُتَسَلِّطاً عَلَى إِسْرَائِيلَ، وَمَخَارِجُهُ مُنْذُ
ٱلْقَدِيمِ مُنْذُ أَيَّامِ ٱلأَزَلِ» (ميخا 5: 2). والنبي
أشعياء الذي عاش في نفس الفترة التي عاش فيها النبي ميخا، وصف
المسيح، بروح النبوة فقال إنه يكون «عَجِيباً، مُشِيراً، إِلَهاً قَدِيراً، أَباً أَبَدِيّاً، رَئِيسَ ٱلسَّلامِ» (إشعياء 9: 6).
يبرز
يسوع المسيح عبر كل التاريخ البشري كالمنتظَر مجيئُه
قبل مئات السنين. لم تكن هناك نبؤات ولا توقُّعات بمجيء غيره من
الشخصيات التاريخية لأنه لم يكن كالإسكندر الكبير أو نابليون أو
غيرهما من القادة الذين لم ينتظرهم أحد في أوقات وأمكنة ظهورهم.
وحتى قبل وجود الأنبياء أنفسهم قطع اللّه الوعد بمجيئه،
فبمجرد أن وقع أبوانا الأولان آدم وحواء في خطية العصيان، وكسرا
وصية اللّه، جاء الوعد بقدوم المخلّص، فقد أخبر اللّه إبليس
المتمثل بالحية الخادعة بأن نسل حواء «هُوَ يَسْحَقُ رَأْسَكِ»
(تكوين 3: 15). وهذا ما تحقق في عمل المسيح الكفاري وانتصاره
التاريخي الساحق على إبليس. ولكن على مرّ الزمن توالت المواعيد
والبيانات على فم أنبياء اللّه بمجيء المسيّا والمخلّص
المنتظَر، حتى أنّه في عصر ولادة المسيح من مريم العذراء ومجيئه
إلى العالم كان هناك شعور وتوقع عام بقرب مجيئه، وكان أسلوب
وموضوع ولادته واضحين لمنتظري تحقيق مواعيد اللّه، فقد وُصف في
الأسفار المقدسة كمَن «نزل» من السماء إلى الأرض. وكمَنْ شارك الآب في مجده منذ الأزل، لا بل وكمَنْ «خرج من عند الآبَ»
(يوحنا 16: 28). أي كمَنْ هو في أوثق وأهم المعاني، واحد مع
اللّه. كلماته ذاتها لا تترك مجالاً للشك في أنه يعتبر نفسه
زائراً للأرض من عالم أسمى، وأنه جاء في مهمة سماوية خاصة على
الأرض لخلاص البشر وفدائهم.
قال أحد كبار اللاهوتيين: «في
دراستنا ليسوع المسيح، من المهم جداً أن نتفهم حياته على ضوء
وجوده السابق لقدومه إلى عالم البشر، فتجسُّده لم يكن مجرد ولادة
رجل عظيم، لأن تجسد المسيح يعني دخول اللّه إلى حيّز
ومحيط الوجود البشريين. وهكذا نكون على إدراك مستمر أنه في يسوع
المسيح نلتقي وجهاً لوجه مع الإله المتجسد. ومن جهة أخرى فإن
إدراكنا لهذا الأمر يولّد فينا تقديراً لائقاً بالخدمة التي جاء
للقيام بها من أجلنا. من باب المستحيلات أن يكون مفهومنا
للمسيح يتفق مع عظمة ما قام به، ما لم ندرك أن ابن الإِنسان قد
جاء لا ليُخدَم بل ليَخْدِم ويبذل نفسه فدية عن كثيرين» (متى 20: 28).
اسطفانوسخـادم الرب
-
تاريخ التسجيل : 06/12/2010
عدد المساهمات : 410
شفيعى : الرب يسوع
نقاط : 772
الديانة : مسيحى
مواضيع مماثلة
» صلاة وجدت فى قبر يسوع سنة 150 م
» معجزات الرب يسوع مخلص العالم
» ألقاب وصفات المسيح الألوهية
» تجسد الله - الوهية و ربوبية السيد المسيح
» اثباتات ان المسيح هو الله
» معجزات الرب يسوع مخلص العالم
» ألقاب وصفات المسيح الألوهية
» تجسد الله - الوهية و ربوبية السيد المسيح
» اثباتات ان المسيح هو الله
مـنـتـديـات الـمســيح هــو الله :: † المنتديات الحياة المسيحية † :: منتدى الاسئلة الاهوتية و العقائدية المسيحية
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى