العلاقة بين الطبيعتين ابن الله و ابن الانسان
مـنـتـديـات الـمســيح هــو الله :: † المنتديات الحياة المسيحية † :: منتدى الاسئلة الاهوتية و العقائدية المسيحية
صفحة 1 من اصل 1
العلاقة بين الطبيعتين ابن الله و ابن الانسان
العلاقة بين الطبيعتين
الفصل الأول: ابن الله وابن الإنسان
أولاً: المسيح ابن الله:
لقب «ابن الله»
من أهم الألقاب المنسوبة للمسيح، فهو
اسم يسترعي الكثير من الانتباه، لكرامة
المسيح، وخاصة من جهة ألوهيته التي تدل
على أنه مؤهل تماماً للتحدُّث عن أمور
الله. إنه ذلك الجانب من طبيعته الذي حاز
إعجاب نثنائيل عِندما أدرك مندهشاً أن المسيح يعرف
ماضيه المستور، فهتف: «يَا مُعَلِّمُ، أَنْتَ ٱبْنُ ٱللّٰهِ! أَنْتَ مَلِكُ إِسْرَائِيلَ!»
(يوحنا 1: 49). أمّا المعارضة لطبيعة
المسيح الإلهية والاشمئزاز منها فقد
اتضحت جلياً في محاولة التشكيك التي
أجراها إبليس عندما تحدّى المسيح قائلاً:
«إن كنت ابن الله، فقُلْ أن تصير هذه الحجارة خبز» و «إِنْ كُنْتَ ٱبْنَ ٱللّٰهِ فَٱطْرَحْ نَفْسَكَ إِلَى أَسْفَلُ»
(أي من جناح الهيكل العلوي) (متى 4: 3،
6). هذا حدث أيضاً عند إخراج المسيح
للشياطين الذين صرخوا عند خروجهم: «مَا
لَنَا وَلَكَ يَا يَسُوعُ ٱبْنَ ٱللّٰهِ؟
أَجِئْتَ إِلَى هُنَا قَبْلَ ٱلْوَقْتِ
لِتُعَذِّبَنَا؟» (متى 8: 29). أما تعليق المسيح
على القصد من موت لعازر وإقامته له من الموت فكان:
«لأَجْلِ مَجْدِ ٱللّٰهِ، لِيَتَمَجَّدَ ٱبْنُ ٱللّٰهِ بِهِ» (يوحنا 11: 4). أمّا اعتراف التلميذ بطرس عن المسيح في قوله له: «أنت هو المسيح ابن الله الحي»
(متى 16: 16) فكان نتيجة لإدراكه
لإلوهية المسيح. وصرّح البشير يوحنا أيضاً أن
القصد من كتابة بشارته هو «لِتُؤْمِنُوا أَنَّ
يَسُوعَ هُوَ ٱلْمَسِيحُ ٱبْنُ ٱللّٰهِ،
وَلِكَيْ تَكُونَ لَكُمْ إِذَا آمَنْتُمْ
حَيَاةٌ بِٱسْمِهِ» (يوحنا 20: 31).
يجب أن نفهم هذين التعبيرين «الآب» و «الابن» على أساس وجهة نظر المفهوم العبري في الكتاب المقدس أن «الآب» و «الابن»
هما نظيران متطابقان ومتساويان في الطبيعة
والكيان. ففي كل مرة يدعو فيها الكتاب المقدس
المسيح بلقب «ابن الله» يقصد أن
يشدّد على حقيقة وأصالة ألوهيته. فهو ذو
الطبيعة نفسها التي للآب تماماً. وكما أن
أي ابن بشري تكون طبيعته بشرية مطابقة
لطبيعة أبيه، هكذا المسيح ابن الله هو مثل
أبيه في جوهر طبيعته الإلهية، تلك الطبيعة التي لا
يشارك فيها الله أي مخلوق. الآب والابن والروح
القدس هم واحد، معاً في جوهرهم وطبيعتهم وأزليتهم،
وهم متساوون في القدرة والمجد، كانوا ولا
زالوا موجودين في أقانيمهم الثلاثة
المميزة. وعلينا أن نتذكر أن الاسمين «الآب» و «الابن»
ليسا بالضرورة كافيين للتعبير الكامل
والتام عن العلاقة التي تربط الأقنومين
الأول والثاني في الثالوث، ومع ذلك يبقى
هذان الإسمان أفضل ما لدينا، نحن البشر،
للتعبير عن هذه العلاقة. وعلاوة على ذلك فإنهما
يعبّران لنا في الكتاب المقدس ليس فقط عن وحدتهما
في الجوهر والطبيعة، بل أيضاً عن علاقة الودّ
والمحبة المتبادلة بينهما. المسيح يسوع هو ابن
اللّه الازلي، أمّا نحن فنصير أولاد الله
المتبنّين بالنعمة. المسيح هو ابن الله بحقه
الأزلي الخاص، أمّا نحن فنصبح أولاداً لله
بالتبني عندما نُولد من جديد وتصبح
الحياة الجديدة في المسيح من نصيبنا، أي
عندما يُحسَب لنا برّه وطهارته.
وصيرورتنا أولاداً للّه لا تعني أن تكون
لنا الألوهية التي للمسيح، لكنها تعني أننا قد
عدنا إلى مشابهة أخلاقية وروحية أكمل من تلك التي
كانت لنا عند الخليقة، والتي تشوهت وتحطّمت ونُقضت
معالمها بواسطة الخطية. اللّه هو أب الرب يسوع
المسيح بمعنى خاص يختلف كل الاختلاف عن
كونه أب المؤمنين به. صحيح أن يسوع تحدّث
لتلاميذه عن اللّه كأبيهم الذي في
السموات، لكنه في الوقت نفسه أظهر أن
أُبوَّة اللّه لهم هي بمعنى محدود وليس
بالمعنى غير المحدود الذي يرتبط هو فيه بأُبوَّة
الآب. فبنوّتهم للّه هي نتيجة ارتباطهم بالمسيح
الذي هو الابن الحقيقي الكامل لله. وأوضح المسيح
ذلك في قوله لتلاميذه: «ٱلآبَ
نَفْسَهُ يُحِبُّكُمْ، لأنَّكُمْ قَدْ
أَحْبَبْتُمُونِي، وَآمَنْتُمْ أَنِّي
مِنْ عِنْدِ ٱللّٰهِ خَرَجْتُ»
(يوحنا 16: 27). هذا ما عبّر عنه البشير يوحنا
بجمال باهر حين قال: «أَعْطَاهُمْ سُلْطَاناً
أَنْ يَصِيرُوا أَوْلادَ ٱللّٰهِ، أَيِ
ٱلْمُؤْمِنُونَ بِٱسْمِهِ» (يوحنا 1: 12).
لا
يتفق الكتاب المقدس مع النظرية الشائعة
بين الذين تشرّبوا الفلسفة الدهرية صاحبة
النظرية التي تدعي أن الجميع أخوة.
فالكتاب المقدس يعلمنا أن البنوَّة لا
تُبنى على العلاقة التي نتجت عن كون اللّه هو
خالق البشر أجمعين، إنما هي مبنية على العلاقة
الروحية التي يحصل بواسطتها البشر على الخليقة
الجديدة في المسيح. وكخليقة جديدة يصبح المؤمنون
أولاداً للّه، بإيمانهم بالمسيح. إنّ الله هو أب
الجميع بمعنى أنه مصدر حياتهم، لكن
أولاده الحقيقيين بين البشر هم الذين «وُلدوا من جديد» (يوحنا 3: 3). «إِنْ كَانَ أَحَدٌ فِي ٱلْمَسِيحِ فَهُوَ خَلِيقَةٌ جَدِيدَةٌ» (2 كورنثوس 5: 17). «لأنَّ كُلَّ ٱلَّذِينَ يَنْقَادُونَ بِرُوحِ ٱللّٰهِ فَأُولٰئِكَ هُمْ أَبْنَاءُ ٱللّٰهِ» (رومية 8: 14). كل المسيحيين الحقيقيين هم «أَبْنَاءُ ٱللّٰهِ بِٱلإِيمَانِ بِٱلْمَسِيحِ يَسُوعَ» (غلاطية 3: 26). «فَإِنْ
كُنْتُمْ لِلْمَسِيحِ فَأَنْتُمْ إِذاً
نَسْلُ إِبْرَاهِيمَ، وَحَسَبَ
ٱلْمَوْعِدِ وَرَثَةٌ» (غلاطية 3: 29).
فمعنى كلمة «أب»
- خارج دائرة التبني بواسطة المسيح - معنى
سطحي جداً، لأنه في المسيح وحده نقدر أن نعرف الله
بالحقيقة: «وَلَيْسَ أَحَدٌ يَعْرِفُ
ٱلابْنَ إِلا ٱلآبُ، وَمَنْ أَرَادَ
ٱلابْنُ أَنْ يُعْلِنَ لَهُ» (متى
11: 27). أمّا أولئك الذين يبقون في
خطيتهم وسقوطهم، دون تجديد روح الله فهُمْ ليسوا
أولاداً للّه، بل هم أولاد إبليس لأنهم كإبليس
وشركاء له في طبيعته الشريرة، لأنهم
«بِٱلطَّبِيعَةِ أَبْنَاءَ ٱلْغَضَبِ» (أفسس 2: 3). قال يسوع لمقاوميه: «أَنْتُمْ
مِنْ أَبٍ هُوَ إِبْلِيسُ، وَشَهَوَاتِ
أَبِيكُمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَعْمَلُو» (يوحنا 8: 44)، «أَنَا
أَتَكَلَّمُ بِمَا رَأَيْتُ عِنْدَ
أَبِي، وَأَنْتُمْ تَعْمَلُونَ مَا
رَأَيْتُمْ عِنْدَ أَبِيكُمْ... لَوْ
كَانَ ٱللّٰهُ أَبَاكُمْ لَكُنْتُمْ
تُحِبُّونَنِي، لأنِّي خَرَجْتُ مِنْ قِبَلِ
ٱللّٰهِ وَأَتَيْتُ» (يوحنا 8: 38 - 42).
هذا ما علّمه أيضاً الرسول بولس، عندما قال للساحر: «أَيُّهَا
ٱلْمُمْتَلِئُ كُلَّ غِشٍّ وَكُلَّ
خُبْثٍ! يَا ٱبْنَ إِبْلِيسَ! يَا
عَدُوَّ كُلِّ بِرٍّ! أَلا تَزَالُ
تُفْسِدُ سُبُلَ ٱللّٰهِ
ٱلْمُسْتَقِيمَةَ» (أعمال الرسل 13: 10). وعندما نؤمن بالمسيح نصير أولاداً للّه لأنه «سَبَقَ
فَعَيَّنَنَا لِلتَّبَنِّي بِيَسُوعَ
ٱلْمَسِيحِ لِنَفْسِهِ» (أفسس 1: 5)، أما المسيح فهو ابن الله بنوة أصيلة، إذ أنه قال عن نفسه: «أَنَا وَٱلآبُ وَاحِدٌ» (يوحنا 10: 30). و «اَلَّذِي رَآنِي فَقَدْ رَأَى ٱلآبَ» (يوحنا 14: 9) و «مَنْ لا يُكْرِمُ ٱلابْنَ لا يُكْرِمُ ٱلآبَ» (يوحنا 5: 23)، وقال بولس عنه: «صُورَةُ ٱللّٰهِ غَيْرِ ٱلْمَنْظُورِ» (كولوسي 1: 15) وإن «ٱللّٰهَ كَانَ فِي ٱلْمَسِيحِ مُصَالِحاً ٱلْعَالَمَ لِنَفْسِهِ» (2كورنثوس 5: 19) و «فِيهِ يَحِلُّ كُلُّ مِلْءِ ٱللاهُوتِ جَسَدِيّ» (كولوسي 2: 9) أما كاتب الرسالة إلى العبرانيين فقد قال إن المسيح « بَهَاءُ مَجْدِهِ (مجد اللّه)، وَرَسْمُ جَوْهَرِهِ»
(عبرانيين 1: 3). وإضافة إلى كل ذلك فإن
عظات السيد المسيح التي نجدها في العهد الجديد
تدل على إحساسه ووعيه الدائم بألوهيته، لأنه كان
يدرك النوعية الخاصة لعلاقته باللّه الآب، وكذلك
كان اللّه الآب مدركاً كل الإدراك لبنوّة المسيح
يسوع الفريدة.
ومساواة المسيح للّه ووحدته معه واضحان في اللقبين «الآب» و «الابن». ويبدو جلياً من جواب اليهود للمسيح عندما شفى مريضاً في يوم السبت، قال: «أبِي يَعْمَلُ حَتَّى ٱلآنَ وَأَنَا أَعْمَلُ» ونتيجةً لكلامه: «كَانَ
ٱلْيَهُودُ يَطْلُبُونَ أَكْثَرَ أَنْ
يَقْتُلُوهُ، لأنَّهُ لَمْ يَنْقُضِ ٱلسَّبْتَ
فَقَطْ، بَلْ قَالَ أَيْضاً إِنَّ ٱللّٰهَ
أَبُوهُ، مُعَادِلاً نَفْسَهُ بِٱللّٰهِ» (يوحنا
5: 17، 18). بعد ذلك حاولوا قتله رجماً بالحجارة
قائلين له: «لَسْنَا
نَرْجُمُكَ لأجْلِ عَمَلٍ حَسَنٍ، بَلْ
لأجْلِ تَجْدِيفٍ، فَإِنَّكَ وَأَنْتَ
إِنْسَانٌ تَجْعَلُ نَفْسَكَ إِلٰه»
(يوحنا 10: 33). والقول إن المسيح هو ابن اللّه،
كان محور تهمة رئيس الكهنة له، التي أدّت لإصدار
مجلس السبعين (السنهدريم) الحكم بالموت على المسيح
(متى 26: 63 - 66)، وقتئذ قال اليهود
لزعمائهم: «لَنَا
نَامُوسٌ، وَحَسَبَ نَامُوسِنَا يَجِبُ
أَنْ يَمُوتَ، لأنَّهُ جَعَلَ نَفْسَهُ ٱبْنَ
ٱللّٰهِ» (يوحنا 19: 7). أما يسوع فلم ينكر تلك
التهمة قط، بل على العكس اعترف علانية بصحة قولهم.
وقد علّق على موضوعنا هذا أحد كبار علماء
تفسير اللاهوت قائلاً: «كما
أن المسيح أخذ عن أبيه السماوي الطبيعة
الإِلهية، وهو أمر متميز ومختلف عن
ناسوته. يشير الكتاب المقدس إلى المسيح باسمين
فيدعوه أحياناً ب ابن اللّه». وأحياناً أخرى ب «ابن الإِنسان». أما عبارة «ابن الإِنسان»
فلا يمكن فهمها إلا على أساس أنها نموذج
لما يجب أن يكون الإِنسان عليه. هذا هو
معنى الأصل العبري ل «ابن الإِنسان» والذي يشير على أنه ذرية آدم. كذلك فإن تسمية المسيح ب «ابن اللّه» تشير إلى ألوهيته وكيانه الأزليين. فمن البديهي أن يشير كونه «ابن الإِنسان» إلى طبيعته البشرية. (مبادئ الديانة المسيحية - الفصل الأول ص 442).
يتضح لنا إذن أن لقب «ابن اللّه»
كان المقصود منه إبراز المسيح في طبيعته
الجوهرية كإله، فالذي وُلد من نسل داود
بحسب الجسد هو أيضاً نفسه الذي تبيّن بقوة أنه ابن
اللّه (رومية 1: 3، 4)، وذاك الذي، حسب الجسد، أتى
من نسل عبراني قد تعيَّن أيضاً «عَلَى ٱلْكُلِّ إِلٰهاً مُبَارَكاً إِلَى ٱلأَبَدِ»
(رومية 9: 5). فعلينا أن نؤمن بالابن
كما نؤمن بالآب، وأن نكرم الواحد كما
نكرم الآخر.
ثانياً: المسيح ابن الإِنسان:
استعمل يسوع لقب «ابن الإِنسان»
مراراً كثيرة عندما أشار إلى نفسه،
ويبدو أن هذا اللقب كان مفضّلاً لديه. وكانت
عبارة «ابن الإِنسان» موضوع الكثير من
الدراسات والنقاش عبر التاريخ المسيحي.
والمعنى الحقيقي والرئيسي الذي ينطوي
عليه لقب «ابن الإِنسان» هو
أنّ يسوع كان إنساناً بكل معنى الكلمة. إنه
الإِنسان المثالي الكامل. نرى في المسيح البشرية
في كمالها، دون تشويه ولا تلوُّث، وهو المثال
الذي بواسطته ينسَّق البشر حياتهم. وبما
أن للمسيح طبيعة بشرية، فهو ذو علاقة
حيوية بجميع أعضاء الجنس البشري، وبناء
على تدبير اللّه، له الحق في تمثيلهم
جميعاً أمام الحضرة الإِلهية.يستعمل
المزمور الثامن هذا اللقب إشارة إلى البشر عامة
فيقول: «مَنْ هُوَ ٱلإِنْسَانُ حَتَّى تَذْكُرَهُ وَٱبْنُ آدَمَ حَتَّى تَفْتَقِدَهُ؟»
(مزمور 8: 4). لكن العهد الجديد إذ
ينسبه للمسيح فإنه يعطي الاصطلاح مدلولات
تفوق البشر، فيقول سفر دانيال، من ضمن
نبوة عن عودة المسيح إلى السماء: «وَإِذَا
مَعَ سُحُبِ ٱلسَّمَاءِ مِثْلُ ٱبْنِ إِنْسَانٍ
أَتَى وَجَاءَ إِلَى ٱلْقَدِيمِ
ٱلأَيَّامِ، فَقَرَّبُوهُ قُدَّامَهُ.
فَأُعْطِيَ سُلْطَاناً وَمَجْداً
وَمَلَكُوتاً لِتَتَعَبَّدَ لَهُ كُلُّ
ٱلشُّعُوبِ وَٱلأُمَمِ وَٱلأَلْسِنَةِ.
سُلْطَانُهُ سُلْطَانٌ أَبَدِيٌّ مَا لَنْ
يَزُولَ، وَمَلَكُوتُهُ مَا لا يَنْقَرِضُ»
(دانيال 7: 13، 14). هذا فهمه اليهودي بدون تردد
على أنه إشارة لهويّة المسيّا المنتظر. وأشار
المسيح إلى تلك النبوة وهو على يقين تام من
انطباقها عليه فقال: «وَحِينَئِذٍ
تَظْهَرُ عَلامَةُ ٱبْنِ ٱلإِنْسَانِ
فِي ٱلسَّمَاءِ. وَ... جَمِيعُ قَبَائِلِ
ٱلأَرْضِ، وَيُبْصِرُونَ ٱبْنَ
ٱلإِنْسَانِ آتِياً عَلَى سَحَابِ ٱلسَّمَاءِ
بِقُوَّةٍ وَمَجْدٍ كَثِيرٍ. فَيُرْسِلُ
مَلائِكَتَهُ بِبُوقٍ عَظِيمِ ٱلصَّوْتِ،
فَيَجْمَعُونَ مُخْتَارِيهِ مِنَ ٱلأَرْبَعِ
ٱلرِّيَاحِ، مِنْ أَقْصَاءِ ٱلسَّمَاوَاتِ إِلَى
أَقْصَائِهَ» (متى 24: 30، 31 - راجع أيضاً لوقا 21: 27).
تُنتقى
الأسماء عادة بقصد إبراز ملامح فريدة
معينة، كإطلاق لقب على إنسان ما بقصد
إظهار خلاصة شخصيته. فيُقال مثلاً عن
فلان «الطيب القلب» وعن آخر «النبيل».
واللقب هنا يدل على شخصية صاحبه ويعطي
فكرة عن نوعيته. فالناس لا يُسمُّون
تبعاً لملامح مشتركة مع غيرهم، بل تبعاً
لتلك الملامح الخاصة التي تميّزهم عن
أندادهم من البشر. أما المسيح فقد تميّز
منذ الأزل بالألوهية التي شارك فيها الآب
والروح القدس. فهو شريك لكل من أقنومي اللاهوت
الآخرَيْن في ميزات حضورهما في كل مكان،
وأزليتهما، وعلمهما بمطلق كل شيء. أما موضوع
التجسُّد فكان مختصاً بالمسيح وحده. تلك هي ميزته
الخاصة في نطاق اللاهوت. من هنا لم يكن مدهشاً أن
يكون «ابن الإِنسان» هو لقب المسيح الزائر المتوقع للأرض ولساكنيها.
ولا بد من ملاحظة أن المسيح استعمل لقب «ابن الإِنسان»
عندما تحدث عن مجيئه (الإنجيل بحسب متى
24: 44 و 25: 31 و 26: 24): «... لأنَّهُ فِي سَاعَةٍ لا تَظُنُّونَ يَأْتِي ٱبْنُ ٱلإِنْسَانِ».
«وَمَتَى
جَاءَ ٱبْنُ ٱلإِنْسَانِ فِي مَجْدِهِ
وَجَمِيعُ ٱلْمَلائِكَةِ ٱلْقِدِّيسِينَ
مَعَهُ».
«إِنَّ ٱبْنَ ٱلإِنْسَانِ مَاضٍ كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ عَنْهُ».
كما جاء في الإنجيل بحسب لوقا 19: 10 «ٱبْنَ
ٱلإِنْسَانِ قَدْ جَاءَ لِكَيْ يَطْلُبَ
وَيُخَلِّصَ مَا قَدْ هَلَكَ». «فَإِنْ رَأَيْتُمُ ٱبْنَ ٱلإِنْسَانِ صَاعِداً إِلَى حَيْثُ كَانَ أَّوَل» (يوحنا 6: 62).
لقد دُعي لقب «ابن الإِنسان» على نحو ملائم جداً لقباً «انتقالي»
ليس فقط لما يعنيه ذلك من تكاتف المسيح
مع الجنس البشري تكاتفاً تاماً عند تجسده،
بل أيضاً لما في ذلك من إشارة لأصله الأسمى قبل
التجسُّد.
الفصل الثاني: انسجام الطبيعتين
لعل
أهم وأخطر الانحرافات العقائدية في
تاريخ المسيحية هو ما يتعلَّق منها
بتشويش العلاقة القائمة ما بين طبيعتي
المسيح الإِلهية والبشرية. والواقع أنّ تلك
الانحرافات تركزت بصورة خاصة في الإخلال بالتوازن
القائم ما بين هاتين الطبيعتين، وذلك بتفضيل
إحداهما على الأخرى، أو إعطاء الواحدة مكانة
تُفْقِد الطبيعة الأخرى نصيبها أو دورها في اتزان
البناء القائم في شخصية يسوع المسيح. لكن تلك
الانحرافات كثيراً ما ارتكزت على إساءة
فهم فقرة أو أخرى من الوحي الإِلهي.
وإساءة الفهم هذه طالما وجدت مسبباتها في
استخلاص تعابير واردة في الكتاب المقدس
وتفريغهامن قرائنها النصية الواردة فيها،
وتجاهل مواقعها ضمن مجمل ما ورد في سجلات الوحي
الإلهي المعينة التي حوتها، خصوصاً وأنّ سجلات
الوحي الإلهي تشتمل على تعبيرات فيها تشديد على
طبيعة المسيح الإلهية، وأخرى فيها تشديد على
طبيعته البشرية، إلى جانب تلك التي تجمع ما بين
خواص الطبيعتين. من هنا كانت إمكانيات
إساءة الفهم، لأن البعض بنوا استنتاجاتهم
على أساس الافتراض أن المسيح كان إلهاً
فقط، وفتّشوا على ما يؤكد مزاعمهم هذه في
الوحي الإلهي. وأكد البعض على أنه مجرد
إنسان وسعوا إلى إثبات ذلك من خلال نصوص
الوحي الإلهي في تلك التعبيرات التي تركز على جانب
الطبيعة البشرية فيه. وهكذا ظهرت البدعة تلو
الأخرى، وكلها تشير إلى خطأ فادح أساسي، هو عدم
التمسُّك بالهيكل الكامل للحقيقة.
يشهد
الواقع التاريخي ليسوع المسيح الإِله
والإِنسان. فيسوع تمتَّع بقدرات فاقت
جداً معطيات الطبيعة البشرية، لكن من جهة
أخرى فإن طبيعته البشرية طابقت تماماً
تلك التي تمتَّع بها معاصروه من البشر. ومع أنه
يصعب علينا، بل ولا يجوز لنا أن نحاول الفصل بين
العناصر الطبيعية وفوق الطبيعية في شخص المسيح،
فإنَّ دلائل التمييز بين الطبيعتين البشرية
والإِلهية الكامنة في السيد المسيح هي اثنان:
العهد الجديد، والمعتقدات العلنية الراسخة
عند المؤمنين الأوائل الذين عاصروه. كان
أمراً بديهياً للذين اهتدوا للإنجيل
وآمنوا بالمسيح أنّه اللّه المتجسد. فهذا
الأمر لم يكن في حاجة إلى إثبات، بالرغم
من تنوّع الدلائل التي تشير إلى ذلك
بانسجام مطلق. وهذه الدلائل لم تترك لأحد مجالاً
للشك في صدقها واستقامتها. فهل كان ممكناً ليسوع
المسيح أن يتمتع بطبيعتيه بانسجام كامل؟ تلك لم
تكن القضية، بل كان ذلك أمراً مفروغاً منه، إذ لم
يكن من داع للبحث عن دلائل عليه، فالذين
عاصروه وعايشوه بالذات هم الذين استخدمهم
اللّه في تدوين ما أوحى به عن هذا الأمر
لأجيال المؤمنين اللاحقة من بني البشر،
إذا سجّلوا شهاداتهم عنه: «ٱلَّذِي
شَاهَدْنَاهُ، وَلَمَسَتْهُ أَيْدِينَا... قَدْ
رَأَيْنَا وَنَشْهَدُ وَنُخْبِرُكُمْ...
وَنَكْتُبُ إِلَيْكُمْ هٰذَا...» (1 يوحنا 1: 1 - 4).
أضاف
الرب في التجسّد إلى طبيعته الإِلهية
نوعية أخرى هي الطبيعة البشرية (الأمر
الذي من شأنه تكوين شخصية مزدوجة). لم
تكن الإضافة بمعنى وجود شخصية إضافية، بل
بمعنى إضافة نوعية بشريّة إلى الطبيعة
اللاهوتية. ففي الوقت الذي لم يتخلّ فيه عن طبيعته
الإِلهية لم يتَّخذ لنفسه شخصية جديدة، بل أخذ
لنفسه جميع الجوانب البشرية الاعتيادية التي
يتمتَّع بها البشر، أي أنه أصبح إلى جانب كونه
إلهاً، إنساناً أيضاً. هذا كان في طبيعتين
متميِّزتين، ولكنه كما كان منذ الأزل، بقي هو
ذاته شخصاً واحداً.
من
المؤكد أن هذا الأمر يتضمَّن ما يمكن
تسميته لغزاً لا يمكن استيعابه بشكل
كامل، لكن طبيعة هذا اللغز ليست غريبة
على اختبارنا نحن البشر، فذلك اللغز بالذات
كامن في طبيعتنا البشرية نحن أيضاً. إن الإِنسان
يحتوي على جوهرين مختلفين في الأساس. فهو من جهة
روح أو نفس غير مادية، خاضعة لتأثيرات فكرية
وروحية.. ومن الجهة الأخرى هو جسد مادّي، خاضع لكل
العوامل والقوى الفيزيائية والكيمائية
والكهربائية التي تعمل في العالم من
حوله. هذان الجانبان في الطبيعة البشرية
لم يُصهرا ولم يَختلطا، ولم تكن نتيجتهما
هيكلاً ثالثاً دُعي بالإِنسان، بل أنّ
هذين الجانبين بقيا قائمين أحدهما إلى جانب الآخر
في انسجام كامل، كما بقيت خواص كل منهما متميّزة
في الإِنسان ذاته. وظلّ كل منهما خاضعاً لشرائع
دائرته بكل دقّة كما لو أنه كان منفصلاً انفصالاً
كاملاً عن الآخر. ومع ذلك، عند الإِشارة
إلى أي من هذه الخواص الإِنسانية إنما
تكون الإِشارة إلى شخصه بالذات. فلا نقول
جسد فلان عمل كذا أو نفس فلان قالت أو
فكّرت كذا، بل نقول فلان عمل وفكّر وقال
كذا وكذا.
هكذا
الأمر بالنسبة لطبيعتي المسيح، فمع
أنهما متميّزتان إحداهما عن الأخرى فإن
ما يُنسب لإِحداهما إنما ينسب لشخص
المسيح ككل. من هنا كانت ضرورة الحذر من
السقوط أي إساءة فهم تلك التعابير الإنجيلية التي
تبدو وكأنها متناقضة في وصفها للمسيح. فمنها ما
يشير إلى أن المسيح شخص غير محدود، وهي تشير إلى
طبيعته الإِلهية، ومنها ما يشير إلى محدوديته، وهي
تلك التي ترد في قرينة الحديث عن طبيعته
البشرية. فهو إذن محدود كإنسان ولكنه
غير محدود كاللّه، وهو ذو بداية كإنسان
عند ولادته في بيت لحم، ولكنه أيضاً هو
اللّه الموجود أزلاً. وهو كان على علم
بكل شيء، وفي نفس الوقت كانت طبيعته البشرية
محدودة المعرفة. فهو من جهة تركيب طبيعته «مِنْ نَسْلِ دَاوُدَ مِنْ جِهَةِ ٱلْجَسَدِ» كما يقول الكتاب المقدس، لكن الكتاب المقدس يقول أيضاً إنه «تَعَيَّنَ
(أي تبرهن) ٱبْنَ ٱللّٰهِ بِقُوَّةٍ
مِنْ جِهَةِ رُوحِ ٱلْقَدَاسَةِ، بِٱلْقِيَامَةِ
مِنَ ٱلأَمْوَاتِ» (رومية 1: 3، 4). خلاصة الأمر هي أنّ الكتاب المقدس يقدمه على أساس أنه «ابن داود»، وفي نفس الوقت هو «الأزلي قديم الأيام»، ابن مريم هو، وفي نفس الوقت «إله فوق الجميع، مبارك إلى الأبد».
هو الشخص الذي شعر بالإرهاق أثناء
رحلاته الصعبة مشياً على الأقدام، وهو في
نفس الوقت من يقول عنه الوحي الإِلهي «حامل كل الأشياء بكلمة قدرته». وهو الذي «جاع أخير»
بعد أربعين يوماً من الصوم، وفي نفس
الوقت هو نفس الشخص الذي أشبع الآلاف
وقال عن نفسه: «أَنَا هُوَ
خُبْزُ ٱلْحَيَاةِ... ٱلَّذِي نَزَلَ مِنَ
ٱلسَّمَاءِ. إِنْ أَكَلَ أَحَدٌ مِنْ هٰذَا
ٱلْخُبْزِ يَحْيَا إِلَى ٱلأَبَدِ...» (يوحنا 6:
48 - 51) هو الذي قال إنه لا يقدر أن يعمل
شيئاً بدون الآب، وفي نفس الوقت هو الذي
بدونه «لم يكن شيء مما كان». إنه «عظم من عظامنا ولحم من لحمن»،
ومع ذلك تمتَّع بمساواة مطلقة مع اللّه.
هو الذي أخذ على نفسه «صورة عبد» تمتَّع بكونه «صورة اللّه». قال الوحي الإِلهي عنه إنه «ينمو في القامة» كما قال عنه إنه «هو هو أمساً واليوم وإلى الأبد»، «يتقدم في الحكمة» ومع ذلك فقد عرف كل شيء. قيل عنه «مولود تحت الناموس (الشريعة)» لكنه قال عن نفسه إنه «ربّ السبت وأعظم من الهيكل»، نفسه حزنت واضطربت وهو «رئيس (أو مصدر) السلام».
هو الذي سار إلى الموت تحت إمرة الحاكم
الروماني، كما أنه هو الذي دُعي «ملك الملوك وربّ الأرباب»، وهو الذي قال عن ذلك الموت: «أَضَعُ
نَفْسِي... لَيْسَ أَحَدٌ يَأْخُذُهَا
مِنِّي (أي يقتلني) بَلْ أَضَعُهَا أَنَا
مِنْ ذَاتِي. لِي سُلْطَانٌ أَنْ
أَضَعَهَا وَلِي سُلْطَانٌ أَنْ آخُذَهَا
أَيْض» (يوحنا 10: 17، 18). لقد صعد إلى السماء
وغاب عن تلاميذه وكنيسته، لكنه نفس الشخص الذي
قال: «حيثما اجتمع اثنان أو ثلاثة باسمي أكون في وسطهم» وقال لتلاميذه قبل الصعود إنه سيكون معهم «إلى انقضاء الدهر».
إذن
الوحي الإِلهي يقدّم المسيح لنا أحياناً
كإله وأحياناً كإنسان، لكي نفهمه ونعرفه
ونؤمن به كشخص واحد في طبيعتين، كإله
كامل وكإنسان كامل، وليس لكي يعطينا
الخيار ما بين واحدة من طبيعتيه هاتين. إنه اللّه
المتجسّد الذي كانت حياته الأرضية تعبيراً عن أنّ
اللّه جاء إلى عالم البشر، وكشف عن نفسه، ووضع
الأساليب التي يمكن للبشر استيعابها، بصيرورته
إنساناً مثلهم. وهكذا فإن طبيعتي المسيح
الإلهية والبشرية اتّحدتا بحيث أنّ
الصفات أو الخواص المنسوبة لأي منهما
نُسبت إلى شخصية الواحد ككل، فسواء
دَعَوْناه يسوع أو المسيح، ابن اللّه أو ابن
الإِنسان، فإننا نقصد الإِشارة إلى نفس الشخص.
عندما نقول إن يسوع عطش، فإننا نعني أنه كشخص كامل
في ألوهيته وناسوته قد عطش وليس جسده فقط. وعندما
نقول إنه تألمّ نقصد بتألّمه كشخص وليس كمجرد
جسد، وهو إذ أخذ مكان الإِنسان على
الصليب ومات عنه، فإنه لم يعمل ذلك
كإنسان فقط، بل إننا نعني أيضاً أن اللّه
في المسيح أخذ مكان الإِنسان على الصليب
ومات لأجلنا نحن البشر. كل ذلك يعبّر عن الحقيقة،
لكن وجب علينا بالطبع أن نُبقي نصب أعيننا حقيقة
فرادة شخصه، التي مكّنته من إنجاز ذلك العمل
الخلاصي المجيد.
لعل
أهم ما يواجهنا به الوحي الإِلهي من
تعبيرات في شأن انسجام طبيعتي المسيح هو
ما نُسب فيه إليه من أعمال وقُوى وصفات
تنطبق على الطبيعتين في إشارة جليّة إلى
المسيح الواحد. هذه التعبيرات التي تنطبق
على طبيعته لا يمكن فهمها أو تفسيرها إلاّ
إذا أدركنا أن هاتين الطبيعتين متّحدتان عضوياً
بشكل غير قابل للفصم أو الانحلال، في شخص واحد هو
الإله الإِنسان. فالوحي الإِلهي الطاهر يقول عن
أعداء المسيح: «صَلَبُوا رَبَّ ٱلْمَجْدِ» (1 كورنثوس 2: ويشير إلى «...كَنِيسَةَ ٱللّٰهِ ٱلَّتِي ٱقْتَنَاهَا بِدَمِهِ» (أعمال الرسل 20: 28)، ويقول: «يُوجَدُ
إِلٰهٌ وَاحِدٌ وَوَسِيطٌ وَاحِدٌ
بَيْنَ ٱللّٰهِ وَٱلنَّاسِ: ٱلإِنْسَانُ
يَسُوعُ ٱلْمَسِيحُي» (1 تيموثاوس 2: 5). إنّ العبارة «مريم والدة الإِله»
التي يستعملها بعض المسيحيين تحمل فقط
بعض الحقيقة، إذ أن المولود منها كان ابن
اللّه. لكننا في نفس الوقت يجب أن نتذكر
أن مريم كانت والدة يسوع المسيح من جهة
طبيعته البشرية فقط. لقد كان من الضروري لفادي
البشر أن يكون إلهاً وإنساناً معاً، لذلك صار
إنساناً ليأخذ محل الإِنسان فيتألّم ويموت لأجله.
فلو كان إلهاً فقط لما أمكنه عمل ذلك. وضرورة كونه
إلهاً هي لإعطاء القيمة والمدى غير
المحدودين المطلوبَيْن في الذبيحة
الصالحة للتكفير عن خطايا البشر. من
ناحية ثانية لو كان المسيح مجرد إنسان
لما كان بإمكانه الموت حتى عن شخص واحد. خلاصة
الأمر إذن أن طبيعته البشرية جعلت ألمه وموته
ممكنَيْن، بينما طبيعته الإِلهية جعلت لهذين
العنصرين: الألم والموت، القيمة والمدى غير
المحدودين والصالحين لتمثيل عدد لا يُحصَى من
الخطاة. هذا ما طرحه بوضوح بالغ يوحنا كالفن عندما
قال: «لكي يمكن
للإِنسان أن يتصالح مع اللّه، كان لزاماً
عليه وهو الذي دمّر نفسه بمعصيته أن ينفذ
مطاليب العدالة الإِلهية بتحمُّل عقاب خطيته.
وأدرك اللّه في رحمته استحالة ذلك على الإِنسان،
فكشف عن نفسه في المسيح كإنسان حقيقي، وأخذ لنفسه
صفة آدم الثاني ممثلاً بنفسه بني البشر، وجاعلاً
من نفسه بديلاً عنهم في طاعة شريعة اللّه،
واضعاً جسده ثمناً للوفاء بمطاليب
العدالة الإِلهية، وهكذا تحمّل بنفسه
القصاص المتوجِّب على عصياننا جميعاً في
طبيعة إنسانية معادلة لطبيعتنا التي فيها
ارتكبنا ذنب العصيان. لأنه بما أنه كان من
غير الممكن للطبيعة الإِلهية الروحية الموت، فإنه
أضاف إلى طبيعته الإِلهية طبيعة بشرية صالحة
لذلك».
المسيح
إذن في تجسُّده وحّد مع نفسه طبيعة
بشرية، وبقيت شخصيته واحدة متّحدة
متجانسة ومتناسقة دون تشويش أو اختلال.
المقال
منقول من
http://www.baytallah.com/GOD-APPEARE...LESH/index.htm
الفصل الأول: ابن الله وابن الإنسان
أولاً: المسيح ابن الله:
لقب «ابن الله»
من أهم الألقاب المنسوبة للمسيح، فهو
اسم يسترعي الكثير من الانتباه، لكرامة
المسيح، وخاصة من جهة ألوهيته التي تدل
على أنه مؤهل تماماً للتحدُّث عن أمور
الله. إنه ذلك الجانب من طبيعته الذي حاز
إعجاب نثنائيل عِندما أدرك مندهشاً أن المسيح يعرف
ماضيه المستور، فهتف: «يَا مُعَلِّمُ، أَنْتَ ٱبْنُ ٱللّٰهِ! أَنْتَ مَلِكُ إِسْرَائِيلَ!»
(يوحنا 1: 49). أمّا المعارضة لطبيعة
المسيح الإلهية والاشمئزاز منها فقد
اتضحت جلياً في محاولة التشكيك التي
أجراها إبليس عندما تحدّى المسيح قائلاً:
«إن كنت ابن الله، فقُلْ أن تصير هذه الحجارة خبز» و «إِنْ كُنْتَ ٱبْنَ ٱللّٰهِ فَٱطْرَحْ نَفْسَكَ إِلَى أَسْفَلُ»
(أي من جناح الهيكل العلوي) (متى 4: 3،
6). هذا حدث أيضاً عند إخراج المسيح
للشياطين الذين صرخوا عند خروجهم: «مَا
لَنَا وَلَكَ يَا يَسُوعُ ٱبْنَ ٱللّٰهِ؟
أَجِئْتَ إِلَى هُنَا قَبْلَ ٱلْوَقْتِ
لِتُعَذِّبَنَا؟» (متى 8: 29). أما تعليق المسيح
على القصد من موت لعازر وإقامته له من الموت فكان:
«لأَجْلِ مَجْدِ ٱللّٰهِ، لِيَتَمَجَّدَ ٱبْنُ ٱللّٰهِ بِهِ» (يوحنا 11: 4). أمّا اعتراف التلميذ بطرس عن المسيح في قوله له: «أنت هو المسيح ابن الله الحي»
(متى 16: 16) فكان نتيجة لإدراكه
لإلوهية المسيح. وصرّح البشير يوحنا أيضاً أن
القصد من كتابة بشارته هو «لِتُؤْمِنُوا أَنَّ
يَسُوعَ هُوَ ٱلْمَسِيحُ ٱبْنُ ٱللّٰهِ،
وَلِكَيْ تَكُونَ لَكُمْ إِذَا آمَنْتُمْ
حَيَاةٌ بِٱسْمِهِ» (يوحنا 20: 31).
يجب أن نفهم هذين التعبيرين «الآب» و «الابن» على أساس وجهة نظر المفهوم العبري في الكتاب المقدس أن «الآب» و «الابن»
هما نظيران متطابقان ومتساويان في الطبيعة
والكيان. ففي كل مرة يدعو فيها الكتاب المقدس
المسيح بلقب «ابن الله» يقصد أن
يشدّد على حقيقة وأصالة ألوهيته. فهو ذو
الطبيعة نفسها التي للآب تماماً. وكما أن
أي ابن بشري تكون طبيعته بشرية مطابقة
لطبيعة أبيه، هكذا المسيح ابن الله هو مثل
أبيه في جوهر طبيعته الإلهية، تلك الطبيعة التي لا
يشارك فيها الله أي مخلوق. الآب والابن والروح
القدس هم واحد، معاً في جوهرهم وطبيعتهم وأزليتهم،
وهم متساوون في القدرة والمجد، كانوا ولا
زالوا موجودين في أقانيمهم الثلاثة
المميزة. وعلينا أن نتذكر أن الاسمين «الآب» و «الابن»
ليسا بالضرورة كافيين للتعبير الكامل
والتام عن العلاقة التي تربط الأقنومين
الأول والثاني في الثالوث، ومع ذلك يبقى
هذان الإسمان أفضل ما لدينا، نحن البشر،
للتعبير عن هذه العلاقة. وعلاوة على ذلك فإنهما
يعبّران لنا في الكتاب المقدس ليس فقط عن وحدتهما
في الجوهر والطبيعة، بل أيضاً عن علاقة الودّ
والمحبة المتبادلة بينهما. المسيح يسوع هو ابن
اللّه الازلي، أمّا نحن فنصير أولاد الله
المتبنّين بالنعمة. المسيح هو ابن الله بحقه
الأزلي الخاص، أمّا نحن فنصبح أولاداً لله
بالتبني عندما نُولد من جديد وتصبح
الحياة الجديدة في المسيح من نصيبنا، أي
عندما يُحسَب لنا برّه وطهارته.
وصيرورتنا أولاداً للّه لا تعني أن تكون
لنا الألوهية التي للمسيح، لكنها تعني أننا قد
عدنا إلى مشابهة أخلاقية وروحية أكمل من تلك التي
كانت لنا عند الخليقة، والتي تشوهت وتحطّمت ونُقضت
معالمها بواسطة الخطية. اللّه هو أب الرب يسوع
المسيح بمعنى خاص يختلف كل الاختلاف عن
كونه أب المؤمنين به. صحيح أن يسوع تحدّث
لتلاميذه عن اللّه كأبيهم الذي في
السموات، لكنه في الوقت نفسه أظهر أن
أُبوَّة اللّه لهم هي بمعنى محدود وليس
بالمعنى غير المحدود الذي يرتبط هو فيه بأُبوَّة
الآب. فبنوّتهم للّه هي نتيجة ارتباطهم بالمسيح
الذي هو الابن الحقيقي الكامل لله. وأوضح المسيح
ذلك في قوله لتلاميذه: «ٱلآبَ
نَفْسَهُ يُحِبُّكُمْ، لأنَّكُمْ قَدْ
أَحْبَبْتُمُونِي، وَآمَنْتُمْ أَنِّي
مِنْ عِنْدِ ٱللّٰهِ خَرَجْتُ»
(يوحنا 16: 27). هذا ما عبّر عنه البشير يوحنا
بجمال باهر حين قال: «أَعْطَاهُمْ سُلْطَاناً
أَنْ يَصِيرُوا أَوْلادَ ٱللّٰهِ، أَيِ
ٱلْمُؤْمِنُونَ بِٱسْمِهِ» (يوحنا 1: 12).
لا
يتفق الكتاب المقدس مع النظرية الشائعة
بين الذين تشرّبوا الفلسفة الدهرية صاحبة
النظرية التي تدعي أن الجميع أخوة.
فالكتاب المقدس يعلمنا أن البنوَّة لا
تُبنى على العلاقة التي نتجت عن كون اللّه هو
خالق البشر أجمعين، إنما هي مبنية على العلاقة
الروحية التي يحصل بواسطتها البشر على الخليقة
الجديدة في المسيح. وكخليقة جديدة يصبح المؤمنون
أولاداً للّه، بإيمانهم بالمسيح. إنّ الله هو أب
الجميع بمعنى أنه مصدر حياتهم، لكن
أولاده الحقيقيين بين البشر هم الذين «وُلدوا من جديد» (يوحنا 3: 3). «إِنْ كَانَ أَحَدٌ فِي ٱلْمَسِيحِ فَهُوَ خَلِيقَةٌ جَدِيدَةٌ» (2 كورنثوس 5: 17). «لأنَّ كُلَّ ٱلَّذِينَ يَنْقَادُونَ بِرُوحِ ٱللّٰهِ فَأُولٰئِكَ هُمْ أَبْنَاءُ ٱللّٰهِ» (رومية 8: 14). كل المسيحيين الحقيقيين هم «أَبْنَاءُ ٱللّٰهِ بِٱلإِيمَانِ بِٱلْمَسِيحِ يَسُوعَ» (غلاطية 3: 26). «فَإِنْ
كُنْتُمْ لِلْمَسِيحِ فَأَنْتُمْ إِذاً
نَسْلُ إِبْرَاهِيمَ، وَحَسَبَ
ٱلْمَوْعِدِ وَرَثَةٌ» (غلاطية 3: 29).
فمعنى كلمة «أب»
- خارج دائرة التبني بواسطة المسيح - معنى
سطحي جداً، لأنه في المسيح وحده نقدر أن نعرف الله
بالحقيقة: «وَلَيْسَ أَحَدٌ يَعْرِفُ
ٱلابْنَ إِلا ٱلآبُ، وَمَنْ أَرَادَ
ٱلابْنُ أَنْ يُعْلِنَ لَهُ» (متى
11: 27). أمّا أولئك الذين يبقون في
خطيتهم وسقوطهم، دون تجديد روح الله فهُمْ ليسوا
أولاداً للّه، بل هم أولاد إبليس لأنهم كإبليس
وشركاء له في طبيعته الشريرة، لأنهم
«بِٱلطَّبِيعَةِ أَبْنَاءَ ٱلْغَضَبِ» (أفسس 2: 3). قال يسوع لمقاوميه: «أَنْتُمْ
مِنْ أَبٍ هُوَ إِبْلِيسُ، وَشَهَوَاتِ
أَبِيكُمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَعْمَلُو» (يوحنا 8: 44)، «أَنَا
أَتَكَلَّمُ بِمَا رَأَيْتُ عِنْدَ
أَبِي، وَأَنْتُمْ تَعْمَلُونَ مَا
رَأَيْتُمْ عِنْدَ أَبِيكُمْ... لَوْ
كَانَ ٱللّٰهُ أَبَاكُمْ لَكُنْتُمْ
تُحِبُّونَنِي، لأنِّي خَرَجْتُ مِنْ قِبَلِ
ٱللّٰهِ وَأَتَيْتُ» (يوحنا 8: 38 - 42).
هذا ما علّمه أيضاً الرسول بولس، عندما قال للساحر: «أَيُّهَا
ٱلْمُمْتَلِئُ كُلَّ غِشٍّ وَكُلَّ
خُبْثٍ! يَا ٱبْنَ إِبْلِيسَ! يَا
عَدُوَّ كُلِّ بِرٍّ! أَلا تَزَالُ
تُفْسِدُ سُبُلَ ٱللّٰهِ
ٱلْمُسْتَقِيمَةَ» (أعمال الرسل 13: 10). وعندما نؤمن بالمسيح نصير أولاداً للّه لأنه «سَبَقَ
فَعَيَّنَنَا لِلتَّبَنِّي بِيَسُوعَ
ٱلْمَسِيحِ لِنَفْسِهِ» (أفسس 1: 5)، أما المسيح فهو ابن الله بنوة أصيلة، إذ أنه قال عن نفسه: «أَنَا وَٱلآبُ وَاحِدٌ» (يوحنا 10: 30). و «اَلَّذِي رَآنِي فَقَدْ رَأَى ٱلآبَ» (يوحنا 14: 9) و «مَنْ لا يُكْرِمُ ٱلابْنَ لا يُكْرِمُ ٱلآبَ» (يوحنا 5: 23)، وقال بولس عنه: «صُورَةُ ٱللّٰهِ غَيْرِ ٱلْمَنْظُورِ» (كولوسي 1: 15) وإن «ٱللّٰهَ كَانَ فِي ٱلْمَسِيحِ مُصَالِحاً ٱلْعَالَمَ لِنَفْسِهِ» (2كورنثوس 5: 19) و «فِيهِ يَحِلُّ كُلُّ مِلْءِ ٱللاهُوتِ جَسَدِيّ» (كولوسي 2: 9) أما كاتب الرسالة إلى العبرانيين فقد قال إن المسيح « بَهَاءُ مَجْدِهِ (مجد اللّه)، وَرَسْمُ جَوْهَرِهِ»
(عبرانيين 1: 3). وإضافة إلى كل ذلك فإن
عظات السيد المسيح التي نجدها في العهد الجديد
تدل على إحساسه ووعيه الدائم بألوهيته، لأنه كان
يدرك النوعية الخاصة لعلاقته باللّه الآب، وكذلك
كان اللّه الآب مدركاً كل الإدراك لبنوّة المسيح
يسوع الفريدة.
ومساواة المسيح للّه ووحدته معه واضحان في اللقبين «الآب» و «الابن». ويبدو جلياً من جواب اليهود للمسيح عندما شفى مريضاً في يوم السبت، قال: «أبِي يَعْمَلُ حَتَّى ٱلآنَ وَأَنَا أَعْمَلُ» ونتيجةً لكلامه: «كَانَ
ٱلْيَهُودُ يَطْلُبُونَ أَكْثَرَ أَنْ
يَقْتُلُوهُ، لأنَّهُ لَمْ يَنْقُضِ ٱلسَّبْتَ
فَقَطْ، بَلْ قَالَ أَيْضاً إِنَّ ٱللّٰهَ
أَبُوهُ، مُعَادِلاً نَفْسَهُ بِٱللّٰهِ» (يوحنا
5: 17، 18). بعد ذلك حاولوا قتله رجماً بالحجارة
قائلين له: «لَسْنَا
نَرْجُمُكَ لأجْلِ عَمَلٍ حَسَنٍ، بَلْ
لأجْلِ تَجْدِيفٍ، فَإِنَّكَ وَأَنْتَ
إِنْسَانٌ تَجْعَلُ نَفْسَكَ إِلٰه»
(يوحنا 10: 33). والقول إن المسيح هو ابن اللّه،
كان محور تهمة رئيس الكهنة له، التي أدّت لإصدار
مجلس السبعين (السنهدريم) الحكم بالموت على المسيح
(متى 26: 63 - 66)، وقتئذ قال اليهود
لزعمائهم: «لَنَا
نَامُوسٌ، وَحَسَبَ نَامُوسِنَا يَجِبُ
أَنْ يَمُوتَ، لأنَّهُ جَعَلَ نَفْسَهُ ٱبْنَ
ٱللّٰهِ» (يوحنا 19: 7). أما يسوع فلم ينكر تلك
التهمة قط، بل على العكس اعترف علانية بصحة قولهم.
وقد علّق على موضوعنا هذا أحد كبار علماء
تفسير اللاهوت قائلاً: «كما
أن المسيح أخذ عن أبيه السماوي الطبيعة
الإِلهية، وهو أمر متميز ومختلف عن
ناسوته. يشير الكتاب المقدس إلى المسيح باسمين
فيدعوه أحياناً ب ابن اللّه». وأحياناً أخرى ب «ابن الإِنسان». أما عبارة «ابن الإِنسان»
فلا يمكن فهمها إلا على أساس أنها نموذج
لما يجب أن يكون الإِنسان عليه. هذا هو
معنى الأصل العبري ل «ابن الإِنسان» والذي يشير على أنه ذرية آدم. كذلك فإن تسمية المسيح ب «ابن اللّه» تشير إلى ألوهيته وكيانه الأزليين. فمن البديهي أن يشير كونه «ابن الإِنسان» إلى طبيعته البشرية. (مبادئ الديانة المسيحية - الفصل الأول ص 442).
يتضح لنا إذن أن لقب «ابن اللّه»
كان المقصود منه إبراز المسيح في طبيعته
الجوهرية كإله، فالذي وُلد من نسل داود
بحسب الجسد هو أيضاً نفسه الذي تبيّن بقوة أنه ابن
اللّه (رومية 1: 3، 4)، وذاك الذي، حسب الجسد، أتى
من نسل عبراني قد تعيَّن أيضاً «عَلَى ٱلْكُلِّ إِلٰهاً مُبَارَكاً إِلَى ٱلأَبَدِ»
(رومية 9: 5). فعلينا أن نؤمن بالابن
كما نؤمن بالآب، وأن نكرم الواحد كما
نكرم الآخر.
ثانياً: المسيح ابن الإِنسان:
استعمل يسوع لقب «ابن الإِنسان»
مراراً كثيرة عندما أشار إلى نفسه،
ويبدو أن هذا اللقب كان مفضّلاً لديه. وكانت
عبارة «ابن الإِنسان» موضوع الكثير من
الدراسات والنقاش عبر التاريخ المسيحي.
والمعنى الحقيقي والرئيسي الذي ينطوي
عليه لقب «ابن الإِنسان» هو
أنّ يسوع كان إنساناً بكل معنى الكلمة. إنه
الإِنسان المثالي الكامل. نرى في المسيح البشرية
في كمالها، دون تشويه ولا تلوُّث، وهو المثال
الذي بواسطته ينسَّق البشر حياتهم. وبما
أن للمسيح طبيعة بشرية، فهو ذو علاقة
حيوية بجميع أعضاء الجنس البشري، وبناء
على تدبير اللّه، له الحق في تمثيلهم
جميعاً أمام الحضرة الإِلهية.يستعمل
المزمور الثامن هذا اللقب إشارة إلى البشر عامة
فيقول: «مَنْ هُوَ ٱلإِنْسَانُ حَتَّى تَذْكُرَهُ وَٱبْنُ آدَمَ حَتَّى تَفْتَقِدَهُ؟»
(مزمور 8: 4). لكن العهد الجديد إذ
ينسبه للمسيح فإنه يعطي الاصطلاح مدلولات
تفوق البشر، فيقول سفر دانيال، من ضمن
نبوة عن عودة المسيح إلى السماء: «وَإِذَا
مَعَ سُحُبِ ٱلسَّمَاءِ مِثْلُ ٱبْنِ إِنْسَانٍ
أَتَى وَجَاءَ إِلَى ٱلْقَدِيمِ
ٱلأَيَّامِ، فَقَرَّبُوهُ قُدَّامَهُ.
فَأُعْطِيَ سُلْطَاناً وَمَجْداً
وَمَلَكُوتاً لِتَتَعَبَّدَ لَهُ كُلُّ
ٱلشُّعُوبِ وَٱلأُمَمِ وَٱلأَلْسِنَةِ.
سُلْطَانُهُ سُلْطَانٌ أَبَدِيٌّ مَا لَنْ
يَزُولَ، وَمَلَكُوتُهُ مَا لا يَنْقَرِضُ»
(دانيال 7: 13، 14). هذا فهمه اليهودي بدون تردد
على أنه إشارة لهويّة المسيّا المنتظر. وأشار
المسيح إلى تلك النبوة وهو على يقين تام من
انطباقها عليه فقال: «وَحِينَئِذٍ
تَظْهَرُ عَلامَةُ ٱبْنِ ٱلإِنْسَانِ
فِي ٱلسَّمَاءِ. وَ... جَمِيعُ قَبَائِلِ
ٱلأَرْضِ، وَيُبْصِرُونَ ٱبْنَ
ٱلإِنْسَانِ آتِياً عَلَى سَحَابِ ٱلسَّمَاءِ
بِقُوَّةٍ وَمَجْدٍ كَثِيرٍ. فَيُرْسِلُ
مَلائِكَتَهُ بِبُوقٍ عَظِيمِ ٱلصَّوْتِ،
فَيَجْمَعُونَ مُخْتَارِيهِ مِنَ ٱلأَرْبَعِ
ٱلرِّيَاحِ، مِنْ أَقْصَاءِ ٱلسَّمَاوَاتِ إِلَى
أَقْصَائِهَ» (متى 24: 30، 31 - راجع أيضاً لوقا 21: 27).
تُنتقى
الأسماء عادة بقصد إبراز ملامح فريدة
معينة، كإطلاق لقب على إنسان ما بقصد
إظهار خلاصة شخصيته. فيُقال مثلاً عن
فلان «الطيب القلب» وعن آخر «النبيل».
واللقب هنا يدل على شخصية صاحبه ويعطي
فكرة عن نوعيته. فالناس لا يُسمُّون
تبعاً لملامح مشتركة مع غيرهم، بل تبعاً
لتلك الملامح الخاصة التي تميّزهم عن
أندادهم من البشر. أما المسيح فقد تميّز
منذ الأزل بالألوهية التي شارك فيها الآب
والروح القدس. فهو شريك لكل من أقنومي اللاهوت
الآخرَيْن في ميزات حضورهما في كل مكان،
وأزليتهما، وعلمهما بمطلق كل شيء. أما موضوع
التجسُّد فكان مختصاً بالمسيح وحده. تلك هي ميزته
الخاصة في نطاق اللاهوت. من هنا لم يكن مدهشاً أن
يكون «ابن الإِنسان» هو لقب المسيح الزائر المتوقع للأرض ولساكنيها.
ولا بد من ملاحظة أن المسيح استعمل لقب «ابن الإِنسان»
عندما تحدث عن مجيئه (الإنجيل بحسب متى
24: 44 و 25: 31 و 26: 24): «... لأنَّهُ فِي سَاعَةٍ لا تَظُنُّونَ يَأْتِي ٱبْنُ ٱلإِنْسَانِ».
«وَمَتَى
جَاءَ ٱبْنُ ٱلإِنْسَانِ فِي مَجْدِهِ
وَجَمِيعُ ٱلْمَلائِكَةِ ٱلْقِدِّيسِينَ
مَعَهُ».
«إِنَّ ٱبْنَ ٱلإِنْسَانِ مَاضٍ كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ عَنْهُ».
كما جاء في الإنجيل بحسب لوقا 19: 10 «ٱبْنَ
ٱلإِنْسَانِ قَدْ جَاءَ لِكَيْ يَطْلُبَ
وَيُخَلِّصَ مَا قَدْ هَلَكَ». «فَإِنْ رَأَيْتُمُ ٱبْنَ ٱلإِنْسَانِ صَاعِداً إِلَى حَيْثُ كَانَ أَّوَل» (يوحنا 6: 62).
لقد دُعي لقب «ابن الإِنسان» على نحو ملائم جداً لقباً «انتقالي»
ليس فقط لما يعنيه ذلك من تكاتف المسيح
مع الجنس البشري تكاتفاً تاماً عند تجسده،
بل أيضاً لما في ذلك من إشارة لأصله الأسمى قبل
التجسُّد.
الفصل الثاني: انسجام الطبيعتين
لعل
أهم وأخطر الانحرافات العقائدية في
تاريخ المسيحية هو ما يتعلَّق منها
بتشويش العلاقة القائمة ما بين طبيعتي
المسيح الإِلهية والبشرية. والواقع أنّ تلك
الانحرافات تركزت بصورة خاصة في الإخلال بالتوازن
القائم ما بين هاتين الطبيعتين، وذلك بتفضيل
إحداهما على الأخرى، أو إعطاء الواحدة مكانة
تُفْقِد الطبيعة الأخرى نصيبها أو دورها في اتزان
البناء القائم في شخصية يسوع المسيح. لكن تلك
الانحرافات كثيراً ما ارتكزت على إساءة
فهم فقرة أو أخرى من الوحي الإِلهي.
وإساءة الفهم هذه طالما وجدت مسبباتها في
استخلاص تعابير واردة في الكتاب المقدس
وتفريغهامن قرائنها النصية الواردة فيها،
وتجاهل مواقعها ضمن مجمل ما ورد في سجلات الوحي
الإلهي المعينة التي حوتها، خصوصاً وأنّ سجلات
الوحي الإلهي تشتمل على تعبيرات فيها تشديد على
طبيعة المسيح الإلهية، وأخرى فيها تشديد على
طبيعته البشرية، إلى جانب تلك التي تجمع ما بين
خواص الطبيعتين. من هنا كانت إمكانيات
إساءة الفهم، لأن البعض بنوا استنتاجاتهم
على أساس الافتراض أن المسيح كان إلهاً
فقط، وفتّشوا على ما يؤكد مزاعمهم هذه في
الوحي الإلهي. وأكد البعض على أنه مجرد
إنسان وسعوا إلى إثبات ذلك من خلال نصوص
الوحي الإلهي في تلك التعبيرات التي تركز على جانب
الطبيعة البشرية فيه. وهكذا ظهرت البدعة تلو
الأخرى، وكلها تشير إلى خطأ فادح أساسي، هو عدم
التمسُّك بالهيكل الكامل للحقيقة.
يشهد
الواقع التاريخي ليسوع المسيح الإِله
والإِنسان. فيسوع تمتَّع بقدرات فاقت
جداً معطيات الطبيعة البشرية، لكن من جهة
أخرى فإن طبيعته البشرية طابقت تماماً
تلك التي تمتَّع بها معاصروه من البشر. ومع أنه
يصعب علينا، بل ولا يجوز لنا أن نحاول الفصل بين
العناصر الطبيعية وفوق الطبيعية في شخص المسيح،
فإنَّ دلائل التمييز بين الطبيعتين البشرية
والإِلهية الكامنة في السيد المسيح هي اثنان:
العهد الجديد، والمعتقدات العلنية الراسخة
عند المؤمنين الأوائل الذين عاصروه. كان
أمراً بديهياً للذين اهتدوا للإنجيل
وآمنوا بالمسيح أنّه اللّه المتجسد. فهذا
الأمر لم يكن في حاجة إلى إثبات، بالرغم
من تنوّع الدلائل التي تشير إلى ذلك
بانسجام مطلق. وهذه الدلائل لم تترك لأحد مجالاً
للشك في صدقها واستقامتها. فهل كان ممكناً ليسوع
المسيح أن يتمتع بطبيعتيه بانسجام كامل؟ تلك لم
تكن القضية، بل كان ذلك أمراً مفروغاً منه، إذ لم
يكن من داع للبحث عن دلائل عليه، فالذين
عاصروه وعايشوه بالذات هم الذين استخدمهم
اللّه في تدوين ما أوحى به عن هذا الأمر
لأجيال المؤمنين اللاحقة من بني البشر،
إذا سجّلوا شهاداتهم عنه: «ٱلَّذِي
شَاهَدْنَاهُ، وَلَمَسَتْهُ أَيْدِينَا... قَدْ
رَأَيْنَا وَنَشْهَدُ وَنُخْبِرُكُمْ...
وَنَكْتُبُ إِلَيْكُمْ هٰذَا...» (1 يوحنا 1: 1 - 4).
أضاف
الرب في التجسّد إلى طبيعته الإِلهية
نوعية أخرى هي الطبيعة البشرية (الأمر
الذي من شأنه تكوين شخصية مزدوجة). لم
تكن الإضافة بمعنى وجود شخصية إضافية، بل
بمعنى إضافة نوعية بشريّة إلى الطبيعة
اللاهوتية. ففي الوقت الذي لم يتخلّ فيه عن طبيعته
الإِلهية لم يتَّخذ لنفسه شخصية جديدة، بل أخذ
لنفسه جميع الجوانب البشرية الاعتيادية التي
يتمتَّع بها البشر، أي أنه أصبح إلى جانب كونه
إلهاً، إنساناً أيضاً. هذا كان في طبيعتين
متميِّزتين، ولكنه كما كان منذ الأزل، بقي هو
ذاته شخصاً واحداً.
من
المؤكد أن هذا الأمر يتضمَّن ما يمكن
تسميته لغزاً لا يمكن استيعابه بشكل
كامل، لكن طبيعة هذا اللغز ليست غريبة
على اختبارنا نحن البشر، فذلك اللغز بالذات
كامن في طبيعتنا البشرية نحن أيضاً. إن الإِنسان
يحتوي على جوهرين مختلفين في الأساس. فهو من جهة
روح أو نفس غير مادية، خاضعة لتأثيرات فكرية
وروحية.. ومن الجهة الأخرى هو جسد مادّي، خاضع لكل
العوامل والقوى الفيزيائية والكيمائية
والكهربائية التي تعمل في العالم من
حوله. هذان الجانبان في الطبيعة البشرية
لم يُصهرا ولم يَختلطا، ولم تكن نتيجتهما
هيكلاً ثالثاً دُعي بالإِنسان، بل أنّ
هذين الجانبين بقيا قائمين أحدهما إلى جانب الآخر
في انسجام كامل، كما بقيت خواص كل منهما متميّزة
في الإِنسان ذاته. وظلّ كل منهما خاضعاً لشرائع
دائرته بكل دقّة كما لو أنه كان منفصلاً انفصالاً
كاملاً عن الآخر. ومع ذلك، عند الإِشارة
إلى أي من هذه الخواص الإِنسانية إنما
تكون الإِشارة إلى شخصه بالذات. فلا نقول
جسد فلان عمل كذا أو نفس فلان قالت أو
فكّرت كذا، بل نقول فلان عمل وفكّر وقال
كذا وكذا.
هكذا
الأمر بالنسبة لطبيعتي المسيح، فمع
أنهما متميّزتان إحداهما عن الأخرى فإن
ما يُنسب لإِحداهما إنما ينسب لشخص
المسيح ككل. من هنا كانت ضرورة الحذر من
السقوط أي إساءة فهم تلك التعابير الإنجيلية التي
تبدو وكأنها متناقضة في وصفها للمسيح. فمنها ما
يشير إلى أن المسيح شخص غير محدود، وهي تشير إلى
طبيعته الإِلهية، ومنها ما يشير إلى محدوديته، وهي
تلك التي ترد في قرينة الحديث عن طبيعته
البشرية. فهو إذن محدود كإنسان ولكنه
غير محدود كاللّه، وهو ذو بداية كإنسان
عند ولادته في بيت لحم، ولكنه أيضاً هو
اللّه الموجود أزلاً. وهو كان على علم
بكل شيء، وفي نفس الوقت كانت طبيعته البشرية
محدودة المعرفة. فهو من جهة تركيب طبيعته «مِنْ نَسْلِ دَاوُدَ مِنْ جِهَةِ ٱلْجَسَدِ» كما يقول الكتاب المقدس، لكن الكتاب المقدس يقول أيضاً إنه «تَعَيَّنَ
(أي تبرهن) ٱبْنَ ٱللّٰهِ بِقُوَّةٍ
مِنْ جِهَةِ رُوحِ ٱلْقَدَاسَةِ، بِٱلْقِيَامَةِ
مِنَ ٱلأَمْوَاتِ» (رومية 1: 3، 4). خلاصة الأمر هي أنّ الكتاب المقدس يقدمه على أساس أنه «ابن داود»، وفي نفس الوقت هو «الأزلي قديم الأيام»، ابن مريم هو، وفي نفس الوقت «إله فوق الجميع، مبارك إلى الأبد».
هو الشخص الذي شعر بالإرهاق أثناء
رحلاته الصعبة مشياً على الأقدام، وهو في
نفس الوقت من يقول عنه الوحي الإِلهي «حامل كل الأشياء بكلمة قدرته». وهو الذي «جاع أخير»
بعد أربعين يوماً من الصوم، وفي نفس
الوقت هو نفس الشخص الذي أشبع الآلاف
وقال عن نفسه: «أَنَا هُوَ
خُبْزُ ٱلْحَيَاةِ... ٱلَّذِي نَزَلَ مِنَ
ٱلسَّمَاءِ. إِنْ أَكَلَ أَحَدٌ مِنْ هٰذَا
ٱلْخُبْزِ يَحْيَا إِلَى ٱلأَبَدِ...» (يوحنا 6:
48 - 51) هو الذي قال إنه لا يقدر أن يعمل
شيئاً بدون الآب، وفي نفس الوقت هو الذي
بدونه «لم يكن شيء مما كان». إنه «عظم من عظامنا ولحم من لحمن»،
ومع ذلك تمتَّع بمساواة مطلقة مع اللّه.
هو الذي أخذ على نفسه «صورة عبد» تمتَّع بكونه «صورة اللّه». قال الوحي الإِلهي عنه إنه «ينمو في القامة» كما قال عنه إنه «هو هو أمساً واليوم وإلى الأبد»، «يتقدم في الحكمة» ومع ذلك فقد عرف كل شيء. قيل عنه «مولود تحت الناموس (الشريعة)» لكنه قال عن نفسه إنه «ربّ السبت وأعظم من الهيكل»، نفسه حزنت واضطربت وهو «رئيس (أو مصدر) السلام».
هو الذي سار إلى الموت تحت إمرة الحاكم
الروماني، كما أنه هو الذي دُعي «ملك الملوك وربّ الأرباب»، وهو الذي قال عن ذلك الموت: «أَضَعُ
نَفْسِي... لَيْسَ أَحَدٌ يَأْخُذُهَا
مِنِّي (أي يقتلني) بَلْ أَضَعُهَا أَنَا
مِنْ ذَاتِي. لِي سُلْطَانٌ أَنْ
أَضَعَهَا وَلِي سُلْطَانٌ أَنْ آخُذَهَا
أَيْض» (يوحنا 10: 17، 18). لقد صعد إلى السماء
وغاب عن تلاميذه وكنيسته، لكنه نفس الشخص الذي
قال: «حيثما اجتمع اثنان أو ثلاثة باسمي أكون في وسطهم» وقال لتلاميذه قبل الصعود إنه سيكون معهم «إلى انقضاء الدهر».
إذن
الوحي الإِلهي يقدّم المسيح لنا أحياناً
كإله وأحياناً كإنسان، لكي نفهمه ونعرفه
ونؤمن به كشخص واحد في طبيعتين، كإله
كامل وكإنسان كامل، وليس لكي يعطينا
الخيار ما بين واحدة من طبيعتيه هاتين. إنه اللّه
المتجسّد الذي كانت حياته الأرضية تعبيراً عن أنّ
اللّه جاء إلى عالم البشر، وكشف عن نفسه، ووضع
الأساليب التي يمكن للبشر استيعابها، بصيرورته
إنساناً مثلهم. وهكذا فإن طبيعتي المسيح
الإلهية والبشرية اتّحدتا بحيث أنّ
الصفات أو الخواص المنسوبة لأي منهما
نُسبت إلى شخصية الواحد ككل، فسواء
دَعَوْناه يسوع أو المسيح، ابن اللّه أو ابن
الإِنسان، فإننا نقصد الإِشارة إلى نفس الشخص.
عندما نقول إن يسوع عطش، فإننا نعني أنه كشخص كامل
في ألوهيته وناسوته قد عطش وليس جسده فقط. وعندما
نقول إنه تألمّ نقصد بتألّمه كشخص وليس كمجرد
جسد، وهو إذ أخذ مكان الإِنسان على
الصليب ومات عنه، فإنه لم يعمل ذلك
كإنسان فقط، بل إننا نعني أيضاً أن اللّه
في المسيح أخذ مكان الإِنسان على الصليب
ومات لأجلنا نحن البشر. كل ذلك يعبّر عن الحقيقة،
لكن وجب علينا بالطبع أن نُبقي نصب أعيننا حقيقة
فرادة شخصه، التي مكّنته من إنجاز ذلك العمل
الخلاصي المجيد.
لعل
أهم ما يواجهنا به الوحي الإِلهي من
تعبيرات في شأن انسجام طبيعتي المسيح هو
ما نُسب فيه إليه من أعمال وقُوى وصفات
تنطبق على الطبيعتين في إشارة جليّة إلى
المسيح الواحد. هذه التعبيرات التي تنطبق
على طبيعته لا يمكن فهمها أو تفسيرها إلاّ
إذا أدركنا أن هاتين الطبيعتين متّحدتان عضوياً
بشكل غير قابل للفصم أو الانحلال، في شخص واحد هو
الإله الإِنسان. فالوحي الإِلهي الطاهر يقول عن
أعداء المسيح: «صَلَبُوا رَبَّ ٱلْمَجْدِ» (1 كورنثوس 2: ويشير إلى «...كَنِيسَةَ ٱللّٰهِ ٱلَّتِي ٱقْتَنَاهَا بِدَمِهِ» (أعمال الرسل 20: 28)، ويقول: «يُوجَدُ
إِلٰهٌ وَاحِدٌ وَوَسِيطٌ وَاحِدٌ
بَيْنَ ٱللّٰهِ وَٱلنَّاسِ: ٱلإِنْسَانُ
يَسُوعُ ٱلْمَسِيحُي» (1 تيموثاوس 2: 5). إنّ العبارة «مريم والدة الإِله»
التي يستعملها بعض المسيحيين تحمل فقط
بعض الحقيقة، إذ أن المولود منها كان ابن
اللّه. لكننا في نفس الوقت يجب أن نتذكر
أن مريم كانت والدة يسوع المسيح من جهة
طبيعته البشرية فقط. لقد كان من الضروري لفادي
البشر أن يكون إلهاً وإنساناً معاً، لذلك صار
إنساناً ليأخذ محل الإِنسان فيتألّم ويموت لأجله.
فلو كان إلهاً فقط لما أمكنه عمل ذلك. وضرورة كونه
إلهاً هي لإعطاء القيمة والمدى غير
المحدودين المطلوبَيْن في الذبيحة
الصالحة للتكفير عن خطايا البشر. من
ناحية ثانية لو كان المسيح مجرد إنسان
لما كان بإمكانه الموت حتى عن شخص واحد. خلاصة
الأمر إذن أن طبيعته البشرية جعلت ألمه وموته
ممكنَيْن، بينما طبيعته الإِلهية جعلت لهذين
العنصرين: الألم والموت، القيمة والمدى غير
المحدودين والصالحين لتمثيل عدد لا يُحصَى من
الخطاة. هذا ما طرحه بوضوح بالغ يوحنا كالفن عندما
قال: «لكي يمكن
للإِنسان أن يتصالح مع اللّه، كان لزاماً
عليه وهو الذي دمّر نفسه بمعصيته أن ينفذ
مطاليب العدالة الإِلهية بتحمُّل عقاب خطيته.
وأدرك اللّه في رحمته استحالة ذلك على الإِنسان،
فكشف عن نفسه في المسيح كإنسان حقيقي، وأخذ لنفسه
صفة آدم الثاني ممثلاً بنفسه بني البشر، وجاعلاً
من نفسه بديلاً عنهم في طاعة شريعة اللّه،
واضعاً جسده ثمناً للوفاء بمطاليب
العدالة الإِلهية، وهكذا تحمّل بنفسه
القصاص المتوجِّب على عصياننا جميعاً في
طبيعة إنسانية معادلة لطبيعتنا التي فيها
ارتكبنا ذنب العصيان. لأنه بما أنه كان من
غير الممكن للطبيعة الإِلهية الروحية الموت، فإنه
أضاف إلى طبيعته الإِلهية طبيعة بشرية صالحة
لذلك».
المسيح
إذن في تجسُّده وحّد مع نفسه طبيعة
بشرية، وبقيت شخصيته واحدة متّحدة
متجانسة ومتناسقة دون تشويش أو اختلال.
المقال
منقول من
http://www.baytallah.com/GOD-APPEARE...LESH/index.htm
اسطفانوسخـادم الرب
-
تاريخ التسجيل : 06/12/2010
عدد المساهمات : 410
شفيعى : الرب يسوع
نقاط : 772
الديانة : مسيحى
مواضيع مماثلة
» المطالبة بانهاء العلاقة بين المالك والمستاجر
» تجسد الله
» اثباتات ان المسيح هو الله
» نعم.المسيح قال انا هو الله فأعبدوني,
» تجسد الله - الوهية و ربوبية السيد المسيح
» تجسد الله
» اثباتات ان المسيح هو الله
» نعم.المسيح قال انا هو الله فأعبدوني,
» تجسد الله - الوهية و ربوبية السيد المسيح
مـنـتـديـات الـمســيح هــو الله :: † المنتديات الحياة المسيحية † :: منتدى الاسئلة الاهوتية و العقائدية المسيحية
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى